جوهره وسلوكه، فيحكموا عليه الحكم الصحيح البرئ، ولا شك أن غير العارفين بحياة كبار الرجال عن كثب ومداومة، لا يستطيعون أن يقدموهم إلى التاريخ صائبين وصادقين، والورتلاني بغير نزاع ممن لهم اسم كبير في التاريخ، وممن اقترنت أسماؤهم بأعظم الأحداث في الشرق والغرب، وهذا الضعيف، يستطيع أن يدعي أنه عرف الرجل عن كثب ومداومة، ويغلب على ظنه، أنه قد فهم حقيقته أحسن الفهم، وكانت معرفته له مجردة من كل غرض وهوى، خالصة لوجه الله الكريم فإذا زعمت إذن أنني قادر على تقديمه، أطمع أن أكون في ذلك مصيبا وصادقا إلى أبعد الحدود إن شاء الله.
[كيف عرفت الورتلاني]
عرفت الورتلاني في الأول، عن السماع بحكم شهرته الواسعة، كما يعرفه عامة الناس، وكانت منزلته في نفسي، منزلة أي مجاهد حر، يعمل لتحرير الناس من أنفسهم ومن المستعمرين، ولكنني لم أستطع أن أصنفه، من أي طبقة في المخلصين والعاملين، ولم يكن ذلك يهمني يومئذ كثيرا أو قليلا. وبعد أن عاد أخي رشيد من اليمن، وقد كان مديرا للمطبوعات في حكومتها سمعت منه ثناءا عاطرا على الورتلاني، وإكبارا زائدا لعبقريته وقوة شخصيته؛ وأمل أخي يومئذ أن يكون على يد هذا الرجل الفذ، فتح كبير في تلك البلاد السعيدة، إذا أراد الله خيرا لأهلها، وأخي ممن لهم فراسة حسنة وممن لا يعرفون الكذب والمبالغة، حتى لو كان له غرض مقصود، فكيف به حينما يكون الشخص لا يعنيه ولا يحتاج إليه، لا من قريب ولا من بعيد، كشأنه مع الورتلاني. فمن يوم حدثني أخي هذا الحديث عن الورتلاني، ابتدأت أصنفه في نفسي وأعده من المصلحين الملهمين حقا، وأدعو كما أدعو لجميع المجاهدين في الغيب، أن يجري الله الخير على يده، وأن ينور العقول المظلمة بتوجيهه، وأن يكثر بين أبناء العرب والإسلام من أمثاله، كل هذا وأنا لم أر الورتلاني بعد ولم أتعرف عليه، ولم أكن أحسب أنني سأراه