شديدة إذ تسقط عليه القنابل الأولى، التي قذفها الأسطول الإيطالي على بنغازي ... وتختلط بأصوات القنابل، أصوات السكان الآمنين.
وسرت الأنباء في الصحراء مسرى الكهرباء .. وقد حملتها الركبان فيما حملت إلى زاوية القصور .. ووقف شيخ الزاوية - وكان كهلا بارح الخمسين - يسمع للأنباء الدامية، ثم يطرق برأسه ينكت الرمل ويفكر.
كان السيد عمر المختار شيخا لزاوية القصور، من قبل السيد محمد المهدي السنوسي أمير برقة.
كهل في السادسة والستين من عمره، قد ضمرت قامته، وابيضت لمته ولحيته، يخاله الناظر إليه محطما منهوكا لا يقوى على شيء، حتى يرى بريقا في عينيه ما زال نفاذا ..
فقير إلا من غني النفس، يلتف بعباءته البيضاء من وبر الإبل. . وينتعل خفا بسيطا، أما أعصابه ففيها عزم يزعزع الرواسي، وأما ذهنه فليس فيه إلا أمر واحد لا يعرف سواه: الاستشهاد في ميدان الشرف، والجنة بعد ذلك عاقبته ومثواه.
[الجبل الأخضر]
هو جنة ليبيا، وأثمن ما في أرضها، يقع في قلب برقة وعلى مقربة من الساحل، رقعة شاسعة من الخضرة الكثيفة، عامرة بأشجار الصنوبر والزيتون، وأنواع الغار والآس، والزهور الوحشية الملونة والأعشاب المخضرة التي لا تترك من الأرض بقعة عارية، تتخلل كل ذلك عيون ثائرة، تتفجر في قسم الهضاب، ثم تنحدر على سفوحها جداول ونهيرات جارية.
وعلم سكان الصحراء بوصول عمر، فتقاطروا عليه من أبعد بقاع الصحراء، فلم يلبث أن تجمع لديه جيش قوي ممن باعوا أرواحهم بالجنة، فقسمهم فرقا