للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثلاثين كلهم عرب لا بربر فيه، وقد لا يصدق القارئ هذا الادعاء بسهولة، وهو يقرأ كل يوم في الصحف السيارة، ويسمع في الإذاعات العالمية، أحاديث طويلة ومتنوعة، عن البربر وعن أعمالهم ضد السلطان مرة، وضد الفرنسيين مرة أخرى، ويسمع ما يملأ آذانه من الحديث عن زعيمهم الأكبر، الجلاوي باشا مراكش، إلى غير ذلك من الروايات المستفضية التي تجعل وجود البربر في المغرب العربي ثابتا بالتواتر، أجل مع هذا كله فإني أزعم، وبعض الزعم حق، أن ليس في المغرب بربر على الإطلاق، وأتدى من يستطيع أن يثبت غير ذلك، وإليك توضيح الأمر ..

كان سكات المغرب العربي قبل دخول الرسالة الإسلامية العربية، بربرا لا خلاف في ذلك، ولا يهمني ما يذهب إليه بعض المؤرخين، من أن هؤلاء البربر أنفسهم إنما هم من أصل عربى، وإنما الذي يهمني، والذي لا شك فيه أن أولئك البربر قد تعربوا جميعا بعد الهجرات العربية المتوالية على ديارهم، ولم يبق اليوم على أرض المغرب العربي من يقول: أنا بربري، أو يرضى أن يصفه أحد من الناس بذلك.

[التقارب العربي]

أما أهم أسباب هذا التعريب فثلاثة: الدين واللغة والتزاوج. وكان الدين أسبق الثلاثة إلى التحكم في مصير البربر، فلقد اعتنقوا الإسلام عن شوق وقناعة، وأحبوه من أعماق قلوبهم وأخلصوا لتعاليمه أشد الإخلاص، ثم أحبوا معه، ومن أجله كل ما صحبه من مقومات، أحبوا أهله العرب حبا لم يكن يخلو من الغلو، حتى كان البربري يرى أن الأسهار إلى العربي والتقرب منه إنما هو شرف كبير له، بل هو فى نظره ضرب من العبادة والتقرب إلى الله، لأن هذا العربي في نظره إنما هو رسول الله إليه، وأنه مجاهد في سبيل تبليغ رسالة الحق المقدسة، وأنه مرابط في الثغور، بعيدا عن أهله وعن وطنه، وأنه يفعل كل ذلك في سبيل إعزاز كلمه الدين والحق، وفي سبيل نشر مبادئه السمحة الخالدة، وساعد في تسهيل التزاوج والاختلاط، أن

<<  <   >  >>