إن نفس الورتلاني العظيم، من تلك الفئة الأولى الأصيلة: تلك التي تشبه المعدن الذهبي، ذلك الذي يصهر بالنار، ولكنه يخرج منها ألمع ما يكون بريقا، وأنقى ما يكون من الشوائب، وهذا نفس ما حدث للفضيل، فلقد مرت عليه كما تمر على الأفذاذ العباقرة، ظروف عابسة، حسبها الناس حجابا صفيقا بين ماضيه ومستقبله، ولكنها سرعان ما انقشعت لما تنقشع السحب الثقال عن وجه الشمس. فأشرف الورتلاني من جديد على دنيا الإسلام والعروبة بالأضواء الكاشفة، فأنار طريق الكفاح من جديد، وفتح جبهة الجهاد من جديد، وتبوأ مركزه العظيم بين أساطين النهضة الإسلامية في العالم الإسلامي.
[نشاط دائب ...]
قلت هذا بصدد الحديث، عن الرجل العظيم، الذي لم تعرف عنه الجزائر، ولا المغرب أو المشرق الإسلاميين، إلا كل صدق ووفاء، وشجاعة وإخلاص ومروءة ونجدة، وصدع بكلمة الحق والحرية، وإيثار للصراحة في القول، والاستماتة في النضال والاتجاه الواضح المستقيم، على المناورة والمداورة، وسلوك السبل الملتوية، وتصيد الفرص السانحة للشهرة والظهور .. هكذا عرفنا ماضيه في الكفاح المغربي والإسلامي معا، سواء داخل الوطن أو خارجه. ففي أرض الوطن، لم يكن أحد من المعنيين يتتبع أطوار النهضة، بجهل دور الورتلاني ونشاطه الدائب، في أوائل النهضة، لبناء حركة قومية انبعاثية متينة الأركان، قوية الدعائم، ثابتة على الدهر، فلم تخل أية محاولة للانبعاث، إلا وكان له فيها دور عظيم، ثم نقل حركة الدعوة الإسلامية التحريرية، التي بعثتها في أرض الوطن، جمعية العلماء إلى قلب فرنسا نفسها سنة ٣٦، حيث تمكن في ظرف سنتين ونيف، من إحداث نحو ٣٠ مركز