للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكانت أدوات العلماء في دعوتهم هي اللسان والقلم، وكانت ميادينهم المساجد والأندية، والمدارس الحرة، والصحف والمناشير، وكان لهذه الميادين قصة غريبة بشعة، لا بد من إثباتها هنا، أما المساجد، فكان أكثرها قد صودر من الحكومة الاستعمارية، وحول بعضه إلى كنائس، وبعضه إلى مرافق عامة، وبعضه إلى إصطبلات للحيوانات، والأقل من القليل الذي بقي بالاسم ملكا للأمة. أو الذي أنشأته حديثا بأموالها المتواضعة، هو الذي كان يستعمله العلماء في دعوتهم الإنسانية الكريمة. ولكن لم تطل المدة حتى شعرت الحكومة الاستعمارية، بخطورة هذه الدعوة الحية، لما تحمله في ثناياها من أسباب الهدم للعبودية والاستعمار، فأصدرت أمرا حازما يمنع العلماء المصلحين من التكلم في المساجد منعا باتا، وينص على أن المخالف منهم يقع تحت طائلة عقوبة السجن والغرامة، وما يزال هذا الأمر الحقير قائما حتى هذه الساعة - وبعد مضى خمس وعشرين سنة - معمولا به بكل عناية، ومن ذلك اليوم، والخصام ما يزال قائما على أشده بين الحكومة الاستعمارية، وبين الأمة الجزائرية على تحرير مساجدها، وتحرير شؤون دينها من هذا الاستعمار.

نعم، إنها لخصومة مزمنة. وعلى تحرير المساجد وشؤون الدين. وما رضي هذا الاستعمار السخيف أن يتخلى عن مراقبتها وعن إدارة شؤونها المقدسة بنفسه. فهو الذي يعين أئمة المساجد والمؤذنين والخدم، وأن الخطبة التي يلقيها الإمام في مسجد المسلمين يوم الجمعة، لا بد أن يوافق عليها الحاكم الفرنسي الحر، واللائكي الديمقراطي، ولا بد أن تكون في الدرجة الأولى خالية من روح الدين، وبعيدة عن الحياة، بعد السماء من الأرض، هذا ولما كانت الأوقاف الإسلامية هي الروح التي تقوم عليها حياة الدين في نشر تعاليمه ولغته، وإقامة شعائره، وآداء وظيفة الإحسان للمريض والفقير تبعا لرغبة نصوصه، عمدت الحكومة الاستعمارية إلى مصادرتها جميعا، وضمها إلى خزينة الدولة نهائيا. وكانت تقدر بمئات الملايين من الفرنكات، هذا بعض شأن المساجد. وأما الأندية، فلم يكن منتشرا

<<  <   >  >>