وقالت تلك الأخبار: أن العفو شمل الأستاذ الفضيل الورتلاني، المتهم بتدبير الانقلاب والاغتيال، وتباشر أصدقاؤه وعرفوا فضله بهذا العفو، كأنهم رأوا فيه حدا للحالة التي يعيش فيها، وكأنهم يرون أن تلك التهمة - على بطلانها - عاقت الأستاذ الفضيل عن مواصلة جهاده في سبيل العرب والمسلمين، فالعفو يضمن له متابعة الكفاح.
والأستاذ الورتلاني، ابن بار من أبناء جمعية العلماء، وغصن من دوحتها الفياحة، فتح عينيه على شعاعها، وسار في الحياة من أول خطوة على هداها، وقضى عنفوان شبابه في أحضانها، وتخرج في العلم والعمل على قادتها، وبز الجياد القرح في ميادينها، ورمى الغايات البعيدة بتسديدها، وراض عقله على التفكير الصائب، ولسانه على الحديث الصادق، في الإصلاح الديني الذي هو أساس مبادئها؛ فجذبه استعداده القوي منه، إلى العمل في ميدان الإصلاح الاجتماعي وجرته غيرته المحتدمة على وطنه، إلى العمل للإصلاح السياسي؛ وهذه أنواع من الإصلاح متشابكة الأصول، متشابهة الفروع تفصل بينها فواصل اعتبارية دقيقة، ولكن الجرآء المقدامين يرونها متلازمة، متوقفا بعضها على بعض، فلا يتم جزء منها إلا بتمام جميعها؛ ومن هؤلاء ولدنا الفضيل؛ فلما ضاق عنه وطنه الأصغر طار إلى وطنه الأكبر.
ولمكان الأستاذ الورتلاني منا، ومكانته عندنا، وعدنا إياه من أبنائنا البررة ورجالنا الأفذاذ، ويقيننا بطهارة ذمته من القاذورات، وتسامي همته إلى بناء المأثورات - نرى أن كلمة (العفو عنه) كما تقول الجرائد، سبة لم يسب بأفحش منها، ونظن أن ولدنا الفضيل ارتاح لها، أو وقعت منه موقعا، لما نعرفه فيه من الشمم وكبر النفس، وما زالت كلمة العفو في مثل هذه المواطن، ثقيلة على النفوس الحرة، لا يطرب لها إلا المذنبون الضارعون، كالذي يقول: