بها، ولا تحفظ معانيه من الانحراف والتشويه إلا بها، فهي إذن مفتاح الدين .. وحارسه الأمين .. إنما يحيا الحياة الحقيقية بحياتها، وقد يموت بموتها، فالدفاع إذن عن وجودها وحياتها، إنما هو دفاع عن الدين نفسه، وتكاد تكون نظرة الجزائري إلى القومية العربية، بنفس هذا المنظار، وأن التخلي عنها هو تخلي عن الدين نفسه، هذه عاطفته، وهذا حسه .. لأنه يؤمن من أعماق قلبه بما ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أن العروبة إنما هي باللسان وليست بالعرق، فمن تكلم بالعروبة فهو عربي، وهؤلاء القوم قد اندمجوا في العروبة، اندماج السكر بالماء بعد الذوبان، وتكلموا بلغتها منذ أربعة عشر قرنا، دون انقطاع، فلو اجتمع أهل الدنيا إذن بحيلهم، وعبقريتهم، وتعاونوا على تشكيك الجزائريين في عروبتهم، لن يفلحوا ما دام الإسلام دينهم.
هذه حقيقة فهمها الفرنسيون جيدا، لذلك خصصوا لها أعظم جهدهم لتفويض أركان هذا الدين، لأنهم وثقوا بعد الدرس والتحقيق بأنه هو الأساس في مناعة هذه الأمة، والباقي كله مبني عليه، فبانهياره ينهار معه كل شيء، وبأقل المجهودات.
هنا اعتمدوا لهدم الإسلام وسيلتين أساسيتين، ليست الواحدة منهما أقل خبثا وقبحا من الأخرى:
أما الأولى - فهي نشر الخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان، وتشجيعها في الأوساط الإسلامية، واستعملوا في هذه الوسيلة كل أصناف الدجالين والمشعوذين، وفي مقدمتهم كثيرون من مشايخ الطرق الصوفية، الذين تحولت الرسالة عندهم إلى مهنة تجارية.
أما الثانية - فهي نشر الإلحاد في أوساط الشباب الإسلامي، بواسطة المدارس وغيرها، الأمر الذي كان سيؤدي إلى انتشار الشيوعية بشكل مريع، وقد أنفق