للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفيما يلي بعض فقرات من هذه الرسالة: نحن هنا ... وسنظل هنا مطمورين تحت الأرض في القبور، سنظل جثثا ممزقة بالطعنات، مشوهة الوجوه من أثار البارود. أما "سكيكدة" الجميلة الني تعتبر "نيس" إفريقيا والجزائر، والتي يقصدها السياح من جميع أنحاء العالم، فلم يدخلها منذ سنة ونصف سائح واحد، وجميع الذين دخلوها، كانوا باللباس العسكري .. كلهم جنود، نخبة الشباب الفرنسي، تحملهم وزارة الحرب الفرنسية إلى هذا البلد الرهيب، ليمزق أجسادهم الرصاص، ولتخترق صدورهم الحراب والخناجر.

إن هؤلاء العرب، السمر الوجوه، والذين كنا نظنهم فلاحين مساكين .. ما هم إلا مقاتلون أشداء .. ولن يسكتوا عن وجودنا في ديارهم .. لقد قام زيغود وهو عربي جزائري في الرابعة والثلاثين من عمره، يرأس جماعة من المقاتلين العرب، في الأسبوعين الأخيرين بهجومين على الأحياء والثكنات الفرنسية، ولم ينسحب إلا بعد أن خلف وراءه ٨٠ جثة ممزقة مشوهة.

وقامت القوات الفرنسية بهجوم مضاد، فجمعت أربعة آلاف عربي من سكيكدة والقرى المجاورة .. وهددوهم ثم عذوهم بأقسى ما يمكن لعدو أن يستعمله ضد عدو آخر، ولكن رجلا واحدا لم يتكلم، ولم تفد هذه العملية شيئا .. وكانت كسابقاتها خائبة.

وبينما الفرنسيون يوارون جثث قتلاهم، إذ بإذاعة الثوار تذيع عليهم: أيها الفرنسيون ليس لكم أي خيار، فإما الرحيل، وإما الموت!!

وبالطبع قرر الفرنسيون الرحيل.

وفي مدينة "سكيكدة" الآن أكثر من ٣٠٠ فيلا وبيت مهجور ينعق فيها البوم .. وتدخلها الريح التي تحمل من الجبال أصوات الثائرين مهددة بالموت والدمار.

<<  <   >  >>