رضي الله عنهم ورضوا عنه، أطهر ما يكون رجال الدعوات، وأرضى ما تذكر تراجم الأمناء على تسيير الحركات، وقد ورثتم عنهم هذه الأمانة، وأخذتم عنهم هذه الحركة، فينبغي لكي ترضوا الله والحركة والأمة، أن يشعر كل واحد منا نحو نفسه، ونحو إخوانه في هذه الحركة، أن قيمته إنما توزن، بثلاث من مثاقيل الحق والعلم: الأول إلتزام كل واحد منا لعقيدته الإسلامية، وظهوره مع دينه بمظهر من استوى ظاهره مع باطنه، وتوافق سلوكه مع مبادئ الجمعية، الثاني: ما لكل واحد منا الحصول العلمي، وما منزلته بين علماء الدين، واللسان، والتاريخ، وما للأمة الإسلامية، من نصيب منه ونفع فيه، الثالث: تمثيله لمقوماتنا الإسلامية العربية، وحظها منه في باب الأعمال التي تجعل منه رجلا يثبت أمام العواصف الهوج، ويصبر حين تهب الرياح الخرقاء، ويتجلد حين تمتد الأيدي العادية إلى الواحد منا بالإمتحان، يدافع حين يحاول الظلم أن ينال من هذه القومية، فيحاول بمحو حقيقتها، وإنكار واقعها؛ وبذلك الدفاع يكون أهلا لأن يقتدي به، لأنه قد جعل من المعنى واقعا ملموسا، ومن اللفظة، حقيقة حية، ومن الكلمة وصفا يظهر، وخلقا يؤثر، وسلوكا يعمل به.
إخواني، إن ما زاد على هذه المعاني الثلاثة، زوائد لا أثر لها في أرواحنا، ولا قوة فيها لديننا، ولا صلاح منها لوطننا، فلا اعتبار لها في أفرادنا، وجماعاتنا لأن تلك الحقائق الثلاث، هي التي يجب أن نحيا لها، وبها كحملة أمانة، وورثة حركة، وملتزمي واجبات؛ والآن لنقدر أنفسنا أننا في ذلك الاجتماع الذي انعقد في سنة ١٩٣١ لانتخاب المجلس الإداري الأول لجمعية العلماء، ولنحاول بما لدينا من قوة الخيال، وبما بقي عندنا من ذكريات الماضي، وبما نحفظه من تاريخ، أن نستحضر ظروف ذك الوقت، وهي ظروف لا أعادها الله للوجود، إذ ليس هناك يومئذ، في دنيا الجزائر، إلا غالب يفرض ما يشاء، ومغلوب يعرف أن الغالب في يسراه الظلم والشهوة، تلك الظروف العصيبة التي اجتازتها بلادنا في جهد ومشقة وعسر، ظهرت جمعية العلماء في الجزائر، ونزلت سكينة الله على الذين ظهرت هذه الجمعية