قد سلكت مثله من قبل ولم تكن أقل رغبة في الاستعمار، ولا كانت أقصر نظرا أو أقل تجربة، ومع ذلك فقد خرجت من الهند ومن الباكستان، وكان الناس من قبل يعتقدون أنها قد تخرج من لندن، ولن تخرج من إمبراطورية الهند الحبيبة، ولكنها خرجت مختارة من غير أن تراق قطرة واحدة من الدم، بل بعثت الجنرال (منتباين) ليقول لهؤلاء الهنود، ويعلن في ملأ من الدنيا - أن بريطانيا قد قررت الخروج من الهند بعد سنة من هذا الإعلان، فليدبر أهل البلاد أمرهم من الآن، وقد كان ذلك فعلا، فاستقلت الهند، واستقلت الباكستان، وكسبت بريطانيا صداقتهم، وحفظت جميع مصالحها المعقولة عندهم، وظهرت في الوقت نفسه أمام العالم بمظهر من يقدر الديمقراطية، وحق جميع الناس في الحرية والاستقلال. وقد فعلت بريطانيا مثل ذلك مع الشعوب أقل قدرة من الهند، فعلت ذلك مع بورما، ومع سيلان، وأخيرا مع السودان، وهي في الطريق الآن لتفعله مع قبرص، والملايو والماوماو.
وما كانت في هذه السياسة خاسرة، نرجو أن يمثل وزيركم المقيم في الجزائر في نفس الدور الذي مثله الجراد (منتباين) في الهند، إذ لسنا نحن أقل إنسانية من الوثنيين الهنود، ولستم أنتم أقل حاجة إلى صداقة الشعوب من الإنكليز ولا أنتم أقل إدعاء للحرية والديمقراطية من الروس والأمريكان، وإن لم تفعلوا - لا سمح الله -:
فوالله لا يحكم بينكم وبين هذه الأمة الجبارة، إلا السيف حتى النصر أو حتى الفناء.
يا جناب الرئيس - إن الذي يدعوكم إلى هذه المبادئ الإنسانية والحلول الكريمة السليمة ليس هو ضحية من ضحاياكم، وإنما الذي يدعوكم هو:
أولا: تاريخكم العريق الذي تنكر له بعض أسلافكم، وبعض مستغليكم أبشع تنكر.
ثانيا: شعبكم الذي استفتيتموه من قريب عن مصلحته أين تكون، هل هي في الحرب أو في السلم - أهي في الحرية وصداقة الشعوب، أو في الاستبداد ومعاداتها. فأفتى هذا الشعب الواعي بما يتفق مع مصلحته وكرامته وتاريخه