للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأسباب خطيرة كما تعلمون، من تلك الأسباب، اضطراب العالم كله، وتقسيمه إلى معسكرات جبارة، يهدد بعضها بعضا بالفناء، ومنها ازدياد نفور الرأي العام العالمي البليغ، من الاستعمار، وعده إياه، العامل الأكبر للقلق السائد، الذي أفقد الإنسانية أمنها وسعادتها، ومنها شعور الشعوب المستعمرة نفسها، بأن هذه التجارة البغيضة، إنما هي صناعة عنيفة، لطبقة معينة من أراذلها، وأنها تقيم الحروب المدمرة من أجل فائدتها، هي وحدها، بينما الخاسر دائما للراحة والدماء هم أولئك الشعوب المسكينة المضللة، وقد دلل الشعب الإفرنسي على ذلك في أكثر من مظهر، كان أهمها تمرد بعض جنوده، عن إطاعة الأوامر العسكرية الحازمة، وامتناعهم عن القتال في الجزائر والمغرب العربي، وإعلانهم صراحة، حق المستعمرات في الحرية، وتقرير المصير، أما السبب الأكبر والأهم في نظري لعودة الاستعمار، إلى بعض صوابه، إنما هو موقف الأمة المغربية الرائع النبيل والشامل، من حدود ليبيا إلى ضفاف الإطلنطيك، حينما واجهوا بسلاح متواضع، قوة جبارة، كانت حتى الأمس القريب، تعد الرابعة في العالم، ولم يشذ عن الكفاح والتضحية حتى ملوكهم، فإن أحد هؤلاء مات شهيدا، في المنفى الاستعماري، أعني جلالة المنصف باي، والثاني سلك السبيل نفسه، فلم يخفه مصير سلفه، ولم يمنعه من المجازفة، في سبيل استقلال أمته، أعني جلالة السلطان، سيدي محمد بن يوسف، وأما شعب المغرب العربي - وأكره أن أجعله شعوبا متعددة - فلقد برهن على حيوية ونبل نادرين، وبرهن على وفاء عريق، لدينه ووطنه، ولماضي أسلافه، بما جعل أعز شيء عند الناس، لديه رخيصا، وهو الأمن والحياة، وأنه ليكون من الغفلة، ومن الجحود بمكان، أن نقلل من شأن أعمال الثوار الذين يسميهم الاستعمار، لصوصا وخوارج على القانون، أجل، إنهم خارجون على القانون فعلا، وبارك الله في ذلك الخروج، لأنه خروج على قانون حقير، وضع لاستعبادنا واستغلالنا، هم الذين علموا الدنيا، المبدأ الخالد: (متى استعبدتم الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار).

<<  <   >  >>