إلى الجزائر مجرد الصداقة النفعية من كل أطراف أوروبا ومن جزر البحر الأبيض المتوسط وأطلقتم أنتم عليهم اسم الفرنسيين وأبحتم لهم العمل (مع الأسف) باسم ماضيكم العظيم وكانوا إلى الأمس القريب يحيكون الدسائس مع النازيين والفاشيين ضد فرنسا الحرة والإنسانية ويشاء سوء الطالع أن تبتدئ المذبحة الكبرى يوم الاحتفال بالنصر، النصر الذي كان الجزائريون وإخوانهم المراكشيون والتونسيون فيه وقوده الأول - وكانوا فيه حجر الزاوية والذي ترددت فيه صدى بطولتهم في سبسليا وإيطاليا وكورسيكا وتونس وفي فرنسا نفسها ثم في ألمانيا أخيرا - ونوه بذلك كبار القواد من الحلفاء وسجله مستر تشرشل في إحدى خطبه التاريخية كان جزاء أولئك المحررين البواسل في يوم الحرية الأخير أن بادر الجلادون المستعمرون إلى إشعارهم بواسطة النار والحديد بأنهم لا يزالون عبيدا أرقاء وأن النصر عليهم لا لهم خشية أن يذهب بهم الغرور مذهب البطش فتحدثهم أنفسهم بالخروج عن طاعة أسيادهم أشباه الآلهة في القرن العشرين.
ولكن الجزائريين الذين قدموا مئات الألوف من زهرات شبابهم إلى الموت في ساحة النزال باسم الحرية فذهب أكثرهم ضحيتها قتلا أو تشويها، لم يكونوا سوائم يعبث بثمن دمائهم بمثل هذه السرعة وبمثل هذه الصورة التي تتنافى مع أقل درجات الوفاء والمروءة لقد كان طبيعيا أن يسجلوا غضبهم وأن يثوروا لحقهم المغصوب إلى جميع طبقات الأمة وأن يشمل الرجال والنساء والصغار والكبار وكان طبيعيا أن تباع النفوس رخيصة غاضبة لهذا الغدر إغتباطا واختيارا ثم كان ما كان من حشد حكومتكم للقوات البرية والبحرية والجوية وتعبئة العسكريين والمدنيين وتسليط الجميع على الثوار وعلى الآمنين الأبرياء في المدن والقرى.
ولقد كان طبيعيا أيضا رغم الحصار الذي ضربتموه على هذه البلاد أن تتسرب أنباء هذه الكارثة إلى بلاد الشرق والغرب فقرأناها وعلمنا كثيرا من تفاصيلها - وكان طبيعيا أن يسري الغضب إلى نفوسنا - وكان طبيعيا أن نذيع هذا في الناس ونستنكره