خطباؤهم، وأصدروا قراراتهم، هجمت عليهم الجنود الفرنسية والشرطة بأسلحتهم ومدافعهم ودباباتهم، وأحاطوا بالمكان، واقتحم القائد الفرنسي مكان الاجتماع من غير إنذار، وسلك في حديثه مع الزعماء والمجتمعين سبل الإرهاب، فلم ير منهم إلا إصرارا على ما قرروه، ولم يترددوا في أنهم يريدون الاستقلال التام.
ثم انصرف الجمهور بحكمة، وتحاشوا أن يجعلوا للقوة الفرنسية المسلحة، وسيلة إلى قلب الحركة، ثورة دموية لم يحن وقتها بعد. وكان من فرنسا، أن ألقت القبض على نحو خمسين من زعماء هذه الحركة الاستقلالية، من بينهم زعماء الأحزاب مثل المحامي الصالح بن فرحات، والمحامي صالح بن يوسف، وأساتذة من جامع الزيتونة، من بينهم الأستاذ الفاضل ابن عاشور، وزجت بهم في السجون، وقد أيد هذه الحركة شيخ جامع الزيتونة، وشيخا الإسلام الحنفي والمالكي، وأعضاء المحكمتين الحنفية والمالكية، ووقع إضراب عام، بحيث بقيت المحال العامة من تجارية وصناعية، مغلقة لمدة ثلاثة أيام، وعم هذا الاتجاه سائر البلاد، ولهجت به كل الطبقات، فهي حركة استقلالية صادرة عن الأمة التونسية بأجمعها.
وجبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية، تؤيد قرارات أولئك المؤتمرين، وتحتج على اعتقال أولئك الزعماء، وترجو من جامعة الدول العربية، والدول المتحدة التي أخذت على نفسها تحرير الشعوب المستضعفة، تأييد هذه القرارات والاعتراف بعدالتها، وحمل فرنسا على إطلاق سراح أولئك المعتقلين، حتى يتمكنوا من مواصلة العمل على استقلال بلادهم، وإشعارها بأن شعوب شمال إفريقيا، قد أصبحت تفضل الفناء على العيش تحت سيطرتها ...