مساجد المسلمين، وتحولهم إلى كنائس، وهل يمكن أن تتصور أن بعض هذه المساجد حولتها إلى إسطبلات للخيل والبغال والحمير؟ وهل يمكن أن تتصور بعد ذلك أن البقية الباقية من هذه المساجد يحرم قانونا على علماء المسلمين أن يتكلموا في الدين بها وإلا زجوا في السجون والمعتقلات؟ وهل يمكن أن يخطر لك ببال أن فرنسا اللائكية تصادر أوقاف المسلمين ثم تنفق أكثر ريعها على التبشير للمسيحية، بل للإلحادية ضد الإسلام؟ وهل تتصور أن اللغة العربية في عقر دارها، تجعلها فرنسا الديمقراطية لغة أجنبية قانونا في أمة عربية عريقة تعد بالملايين، ويجب أن تخضع لقوانين اللغات الأجنبية في جميع أحوالها؟ وهل تتصور بعد ذلك أن فرنسا المتمدنة تتساهل مع اللغات الأجنبية في بلادنا بالإيطالية والألمانية والروسية كل التساهل.
فالمدارس تفتح لتدريسها يكل بساطة، والصحف بها تنشر بكل حرية، بينما يجد العربي في بلده من العنت في سبيل فتح مدرسة لتدريس لغته، ما لم يجده مونتجمري من العنت في سبيل صد روميل عن العلمين، والجرائد العربية إذا سمح بصدورها ابتداء، فإنها لا تعيش أكثر من أشهر، ثم تقع صريعة إداريا بجرة قلم من الحاكم الفرنسي، من غير أدنى محاكمة ولا تحقيق؟ ثم هل تتصور بعد ذلك كله أن القضاء في أكثر هذا البلد الإسلامي القح، بنوعه الأهلي والشرعي، لا يمارسه إلا الفرنسيون؟ وأنه لا يجوز لعربي أن يكون قاضيا زلا نائبا للقاضي، حتى في الشؤون الإسلامية البحتة أعني الأحوال الشخصية، ولو كان عنده علم الأولين والآخرين، وليس له من نقص سوى أنه عربي مسلم يعيش في بلد آبائه وأجداده غير طارئ على أحد.
وأكبر الظن، أن الغائب عن هذه البلاد، لا يستطيع أن يصدق بسهولة كل هذا أو بعضه، لأن الكثير من أبناء الشعب الفرنسي نفسه، الخالي الذهن والمضلل من الاستعمارين، لا يكادون يصدقونه، ولكن "مع الأسف" كل هذا واقع، بل هو