"باستيل" أحكمت غلقه، حتى لا يتسرب منه، أو إليه أي نفس من الحرية وبالأمس القريب، دعت باسم زعيم التحرير الجنرال ديغول إلى عودة إيطاليا، أي والله - إيطاليا التي طعنتهم يوم المحنة - من خلف - للرجوع إلى استعمار طرابلس الغرب، حبا في مجرد الاستعباد، وحسبة لوجه الاستعباد، وزعيمهم ديغول هذا، لم يرق إلى سماء القداسة في نفوس الشعب الفرنسي، إلا لأنه هجر بلده يوم نزلت به الكارثة، ليستنجد بالإنكليز، وبالأمريكان، وبالروس، في سبيل تحرير بلده، وكان صنيعه ذلك كله، في نظر الفرنسيين فضيلة وبطولة وجهادا، ما دام في مصلحة فرنسا، وشاء الله تعالى أن يخلق رجالا من العرب، على غرار الجنرال ديغول، يريدون تحرير أوطانهم، فهجروا هذه الأوطان على طريقة ديغول، ليستنجدوا بالدنيا جميعا، في سبيل تحرير أوطانهم، فمنهم من رمت به الأقدار إلى الشرق، ومنهم من رمت به إلى الغرب، كل ذلك سعيا لتحرير أوطانهم، على مذهب ديغول ورجال فرنسا الحرة، فمن هؤلاء جماعة من أبطال تونس المجاهدة، حاربتهم حكومة فيشي ربيبة الألمان، وبنت إيطاليا البكر، فحكمت على بعضهم بالإعدام، وعلى البعض الآخر بالأشغال الشاقة، ثم جاءت حكومة ديغول ربيبة الحرية، وبنت الديمقراطية البكر، فعززت هذه الأحكام، وزادت إليها حمل بعير، أما الأبطال، فلقد كتب الله لهم النجاة من هؤلاء وهؤلاء، ففروا هائمين في البلاد الأوروبية، تتقاذفهم أمواج القدر من مكان لآخر، وشبح الموت يلاحقهم في كل مرحلة، حتى استقر بهم النوى في إسبانيا، فسكنوا مدريد في جوار " فرانكو" المغضوب عليه من الديمقراطيين، فكأنهم كانوا بجوار الآخرة، ومن عناية الله أرحم من كل ذلك، فلقد مدت يدها في سرعة البرق، وانتزعتهم من بين مخالب الموت، فبين عشية وضحاها، وضعتهم في طائرة فخمة، حلقت بهم في طريقها إلى القاهرة، عاصمة العروبة والإسلام وهم: