قابل الوطنيون هذا الاحتلال، بحزن وجزع بالغين، وقامت بعض المدن والقبائل، في وجه جيش الاحتلال، واستمر دفاعهم حينا، ولكنهم لم يجدوا من يمد يده ليساعدهم على إطالة مدة الحرب، فاستطاع جيش الاحتلال بأن يلجئهم بكثرة عدده، وإطلاق مدافعه، إلى التسليم ..
ثم رأت فرنسا، أن المعاهدة السابقة، لا تسمح لها بأن تبسط نفوذها، في كل شأن من الشؤون الداخلية. فعززتها بمعاهدة ثانية، قدمتها للباي، للتوقيع. فتم لها ما أرادت، من فرض حمايتها، على المملكة التونسية. وكان من نتيجة ذلك، أن فرنسا قلدت معظم الوظائف في الدولة من مناصب الوزارة، إلى الوظائف الصغرى للفرنسيين، حتى أن كل الوزارات، تقلدها فرنسيون ما عدا وزارة الداخلية، التى جردتها من النفوذ، على أنها لم تتوف المرتبات، بين الوطنيين والفرنسيين كما كانت ميزانيه تونس، توضع في فرنسا، وترسل إلى تونس للتنفيذ، واحتكرت فرنسا أراضي الدولة، وصارت تبيعها للفرنسيين، وتقسط أثمانها على عشر سنين، وانتهى الأمر، بأن أصبح معظم أملاك الحكومة، وأراضي الأوقاف الإسلامية، ملكا للفرنسيين ...
أما شؤون القضاء، والتعليم الديني، والمدني، واللغة العربية وحرية الصحافة، وما إلى ذلك، فإن السياسة الاستعمارية، حيالها مما يطول الكلام فيه، فليس الوطنيون - في نظر الحكومة المحتلة - بأهل لأن يمنحوا الحرية، التي يتمتع بها الفرنسيون في تونس، ولكنها فتحت باب التجنيس، بالجنسية الفرنسية ترغيبا للوطنيين في الخروج على قوميتهم العربية، إلى الجنسية الفرنسية، ولكن الوطنيين المسلمين، أدركوا أن هذا التجنيس يسلخهم من دينهم، فأحجموا عنه، وسخطوا على من استهوتهم منافعه، وصارت الأمة تنظر إليهم، بإنكار وازدراء، وأصرت على أن لا يدفنوا في مقابرهم، حتى اضطرت الحكومة ورسمت لهم مقبرة خاصة بهم ...