عشرات الآلاف من "البيض" أو المسلمين عيشة الضنك والشقاء طيلة السنة؛ هذا القطر الجزائري الذي يزداد عدد سكانه كل سنة، بنسبة مائتي ألف نسمة، والذي هو في حاجة إلى أربعة آلاف مدرسة جديدة لتعليم أبنائه، وأخيرا هذا القطر الذي يعانى أزمة تمييز عنصري شنيعة، حيث يعيش مليون من الأوروبيين، وتسعة ملايين من المسلمين بين أحضان البغضاء والجهل والفزع.
لكن هذه الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، لا تكون لها أدنى أهمية، ولا تحصل منها أدنى فائدة، ما لم يقع الاعتراف بالمشكل الأساسي الحقيقي، الذي هو المشكل السياسي، وما لم يقع إيجاد حل فعلي لهذا المشكل.
أما تجاهل هذا المشكل السياسي، والتغافل عن إيجاد حل له. إنما هو من قبيل تحكيم الأوهام وإفساد الحلول في مستقبل الأيام.
لقد قال لي الكثير من الأوروبيين، أنه ما كان ليقع في القطر الجزائري ما هو واقع الآن، لو أن قوى الأمن كانت مستعدة لتحقيق النظام؛ وما كان المسلمون ليركنوا إلى جانب الثائرين، لو أن السلطة حمتهم من عمليات الإرهاب. وأقول أنني لا أعتقد صدق هذه النظرية، لعدة أسباب، أهمها أن الأمة الحقيقية، إنما هي التي تنظر للمستقبل أكثر مما تنظر للماضي. فمن ذا الذي يستطيع يا ترى، أن يحجب عن أنظار البائسين من أهل البادية الجزائرية، هذه الحقيقة الناصعة التي يراها كل الناس حول ضفاف البحر المتوسط، وخلال عشرة أعوام، في المغرب، وفي تونس، في ليبيا وفي مصر، في سوريا، وفي لبنان؛ هذه الحقيقة تزداد كل يوم قوة وتزداد كل يوم ظهورا، ألا وهي الاستقلال.
منذ ١٨ شهرا، أي في فاتح نوفمبر ١٩٥٤، كانوا يقدرون قوة رجال الثورة في القطر الجزائري، بنحو ألف رجل، أما اليوم، فإنهم يقدرون عددهم بما يزيد عن العشرين ألف مقاتل. ولقد كان الثائرون في أول يوم لا يحملون من السلاح إلا