مراكش وتونس، وثلاثتهم كالجسد الواحد، إذا تأذى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، فإن الحالة لا تستقر على شيء من القلق الذي يساور النفوس. سواء كان ذلك في مراكش أو في تونس، لأن استقلال هذين القطرين، دون استقلال القطر الجزائري، كالمعالجة لمرض مزمن بالمسكنات والمخدرات، لا تنجح وإن نجحت فمفعولها سريع الزوال.
وإذا رجعنا إلى التاريخ، وبعبارة أدق إلى ما قبل قرن ونيف، تجد أن الاستعمار، عندما حاول أن يطعن هذه الأقطار الثلاثة، طعنها في الصميم، فاحتل الجزائر، واغتنم إذ ذاك فرصة انطواء كل واحد من القطرين، التونسي والمراكشي على نفسه، ظانا أن ذلك أسلم له وأنجح، مغترا بمسألة الاستعمار له، لكنه ما كاد الاستعمار يمد أطنابه بالقطر الجزائري، حتى أنشب مخالبه في القطر التونسي، ثم بطش بالقطر المراكشي وأخذه أخذ عزيز مقتدر، وبث بين الأقطار الثلاثة، بذور الفتنة والتفرقة، لتحصل له السيادة على الجميع، فلقى منه القطران الشقيقان، ما لاقى القطر الجزائري منه قبلهما من عذاب الهوان، وذلك جراء تخلفهما عن نصرته، يوم زحف عليه الاستعمار بخيله ورجاله، وجلوسهما على الربوة في انتظار المعركة، كأن ذلك شأن لا يهمهما ولا يعنيهما هذا إن لم أقل أنهما ألزما بالتنكر للقطر الجزائري في محنته، ومصانعة الاستعمار ومسالمته، ليشكر لهما يوما ما، حيادهما ولا يعتدي عليهما، ولكن هل سالمهما وشكر لهما ذلك؟
لا لا. بل تربص بهما الدوائر، وأخذهما من مأمنهما، فلم ينجوا من مكره، ولدغهما من جحره، فهل يأمنانه مرة ثانية، وشبحه في الجزائر قريب منهما، أنه يريد البقاء، وما هو بباق، ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين.
إن المفكرين الأحرار، سواء كانوا في القطر التونسي، أو في القطر المراكشي، يرون أن استقلال أي قطر من القطرين، دون استقلال الجزائر، استقلال منقوص. مهدد من جوانبه، لا تطمئن إليه النفوس، لهذا فهم يؤمنون كما نؤمن، أن النتيجة الحتمية بعد