العاصمة الفرنسية بالذات، حتى أنك لتشعر في أيامه وأنت في باريس، كأنك في إحدى كبار عواصم الشرق، من حيث الجو الإسلامي والعربي، وكان لي شرف مصاحبته في تلك الفترة الكريمة، وكان لي عمل متواضع معه، ففي باريس وحدها فتح الورتلاني خمسة عشر، ناديا، يتردد على كل واحد منها، آلاف من أبناء المسلمين، يتلقون الدروس، ويسمعون المحاضرات، ويؤدون فروض العبادة، ويحيون تعاليم الإسلام وفضائل العروبة، ويكافحون الاستعمار وكانت هذه الأندية مثابة لكل شرقي ينزل في هذه البلاد الأوروبية، وإني أذكر تلك الاجتماعات العمومية التي كان يخطب فيها على الآلاف المؤلفة من المسلمين، جمع كبير من رجال الإسلام، على اختلاف أوطانهم، وأذكر بالضبط ليلة تكلم فيها ثمانية عشر خطيبا، كل واحد منهم على قطر خاص، فمن مصري إلى عراقي إلى جزائري إلى هندي إلى ألباني وهلم جرا، وإني في هذه الكلمة العاجلة، غير قاصد ولا قادر البتة، أن أسرد ولو مجرد رؤوس أقلام، لجهاد الورتلاني، وإنما عاطفة السرور، دفعتني إلى مناجاة روحه الطاهرة بهذه الكلمة المتواضعة، وأن أتوجه إليه في مقره باستانبول، بتحياتي وتحيات ثلاثين مليونا من أبناء المغرب العربي، راجيا باسمهم جميعا وملحا في الرجاء، أن يعيد النظر في أمر إقامته باستانبول فإن بلاد المغرب العربي أحوج ما تكون إلى شخصيته الكريمة في مثل هذه الظروف الدقيقة، التي يتقرر فيها مصير الأجيال من أبنائها الأبرار، وإلى أن يتقرر لديه هذا، وتتشرف البلاد بعودته نرجو له أطيب الإقامة في استانبول، عاصمة السلاطين العظام.