للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا نهر ولا عيون جارية، ولا سماء ممطرة، وإنما يعيشون على أنواع من التمر يجود به نخيل الصحراء والواحات، وعلى آبار غير ارتوازية تكفي لبل ريقهم وإرواء مواشيهم لا غير، وأن حياة المدن عندهم معدومة البتة.

لذلك كانوا يسألون في اهتمام كبير! .. عما إذا كان هناك كهرباء أو ترامواي، وطرق معبدة للسيارات وبيوت مبنية بالحجارة مسقوفة بالحديد والأخشاب.

وإنهم لتأخذهم أشد الدهشة حين تخبرهم بأن كل ذلك متوفر، وبصفة أكمل مما هي في مصر والعراق، ولربما كان أكمل مما هي في بعض البلاد الأوروبية نفسها، وأغلب الظن أن أكثرهم ما كانوا في الأول يصدقون، ولقد قضينا في ديار الشرق العزيزة بضع عشرة سنة، لم نكن نشعر أثناءها بالغربة، وقضى غيرنا مثل ذلك أو أقل منه أو أكثر، ويعلم الله لو أن ما أذعناه من كلام بالقلم وباللسان عن ديار المغرب العربي - كان من الكائنات المادية - ثم جمعناه على بعضه، ليشكل أطنانا أو تلالا، ولكن عمل الفرد أو الأفراد مهما كانت أهميته، فإنه قاصر لا يسمن ولا يغني من جوع، لأنه كمن يريد أن يملأ بحرا محيطا بطائفة من الحجارة بقذفها إليه بيده، على أننا لا ننكر فائدة ذلك العمل، فلقد نقل القوم في مجموعهم إلى الصفوف الثانوية في بعض الأوساط وإلى الصفوف العالية في بعض الأوساط الأخرى، ولم يعد على الأقل أهل الحل والعقد في أكثر البلاد العربية، يشكون في وجود أمة بالمغرب العربي مستكملة الشروط للحياة الحرة وجديرة بالإستقلال والسيادة، ولا يشكون في أمر العناية بهم، والاشتراك في بناء مستقبلهم، على أنه من الواجبات القومية والمصلحة التي لا يعفيهم التاريخ في المحاسبة عليها، ولو أن حماسهم نحو العمل في المجموع ظل مع الأسف راكدا فاترا، وبات متوقفا على التحريك الدائم، وتابعا للظروف المحلية وملابساتها، ولأهداف الحاكمين الذين تنصبهم الأقدار على كراسيها لأن

<<  <   >  >>