للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال أحمد: فهؤلاء أصحاب ابن عباس لا يذكرون صيامًا.

قال ابن القيم: المقصود أنه لم يصح عنه أنه احتجم وهو صائم.

الدليل الثاني: أن رسول الله نهى عن الحجامة والمواصلة، ولم يحرمها إبقاء على أصحابه، قوله: (لم يحرمها). صريح في عدم التحريم، أي: أن الحجامة لا تفطر الصائم.

واعترض عليه بأن المواصلة من خصوصيات رسول الله ومحرمة على أمته إلى اليوم التالي بالإجماع، وليس في الحديث أن الحجامة تفطر الصائم أم لا، فليس صريحًا في المسألة.

واستدلوا بحديث: «ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ: الحِجَامَةُ، وَالقَيْءُ، وَالِاحْتِلَامُ» وهذا الحديث لا يصح عن رسول الله .

واستدلوا بحديث أبي سعيد: «رَخَّصَ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ».

واعترض عليه بأن الحديث لا يصح مرفوعًا.

وأما استدلالهم بأثر أنس لما سئل: أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ؟ قَالَ: لَاَ، إِلاَّ مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ.

فقال شيخ الإسلام : وأما اعتقاد من اعتقد أن كراهة الحجامة إنما هي لأجل الضعف، فهذا لا يمنع كونها مفطرة، فإن هذا تعليل كونها مفطرة (١).

• القول الآخر: ذهب أحمد وغيره إلى أن من احتجم وهو صائم فقد أفطر.

واستدلوا لهذا القول بعموم قول النبي : «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ».

واعترض على هذا الحديث من وجوه:

الأول: أن هذا الحديث ضعيف، ضعَّفه ابن معين والشافعي.

وأجيب عنه بأن الحديث صححه البخاري وأحمد وإسحاق وابن المديني وعثمان الدارمي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم، وقال المروزي: قلت لأحمد: إن يحيى بن معين قال: ليس فيه شيء يثبت! فقال: هذا مجازفة (٢).


(١) شرح كتاب الصيام من «العمدة» (١/ ٤٣٨).
(٢) قال ابن القيم: أما جواب المعللين فباطل، وإن الأئمة العارفين بهذا الشأن قد تظاهرت أقوالهم بتصحيح بعض الأحاديث المانعة، والباقي إما حسن صالح للاحتجاج به وحده، وإما ضعيف، فهو يصلح للشواهد والمتابعات، وليس العمدة عليه، وممن صحح ذلك: أحمد وإسحاق وعلي بن المديني، وإبراهيم الحربي، وعثمان بن سعيد الدارمي، والبخاري وابن المنذر، وكل من له علم بالحديث يشهد بأن هذا الأصل محفوظ عن النبي لتعدد طرقه وثقة رواته واشتهارهم بالعدالة … وأما قول بعض أهل الحديث: (لا يصح في الفطر بالحجامة حديث) فمجازفة باطلة أنكرها أئمة الحديث كالإمام أحمد لما حكي له قول ابن معين، أنكره عليه.

<<  <   >  >>