للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المرأة كفارة لبيَّنها .

وأُجِيبَ عن هذه الاستدلال بما قاله الحافظ ابن حجر (١): وَأُجِيبَ بِمَنْعِ وُجُودِ الْحَاجَة إِذْ ذَاكَ لِأَنَّهَا لَمْ تَعْتَرِف وَلَمْ تَسْأَلْ، وَاعْتِرَاف الزَّوْج عَلَيْهَا لَا يُوجِبُ عَلَيْهَا حُكْمًا مَا لَمْ تَعْتَرِفْ، وَبِأَنَّهَا قَضِيَّةُ حَالٍ، فَالسُّكُوت عَنْهَا لَا يَدُلّ عَلَى الْحُكْم لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُون الْمَرْأَة لَمْ تَكُنْ صَائِمَة لِعُذْرٍ مِنَ الْأَعْذَار. ثُمَّ إِنَّ بَيَانَ الْحُكْم لِلرَّجُلِ بَيَان فِي حَقّهَا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي تَحْرِيم الْفِطْر وَانْتَهَاك حُرْمَة الصَّوْم، كَمَا لَمْ يَأْمُرهُ بِالْغُسْلِ. وَالتَّنْصِيص عَلَى الْحُكْم فِي حَقّ بَعْض الْمُكَلَّفِينَ كَافٍ عَنْ ذِكْرِهِ فِي حَقّ الْبَاقِينَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَبَب السُّكُوت عَنْ حُكْم الْمَرْأَة مَا عَرَفَهُ مِنْ كَلَام زَوْجِهَا بِأَنَّهَا لَا قُدْرَةَ لَهَا عَلَى شَيْء.

قلت (محمد): أما الاستدلال بقوله : «فإنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» فهي قضية حال عُرِضت على النبي فحَكَم فيها؛ ولذا فقد ورد في الصحيح أن ماعزًا قال: (زنيتُ)، وأقيم عليه الحد، ولم يسأله النبي بمن زنَيْت؟ وكذا الغامدية لم يسألها، وليس هذا يُسْقِط الحد عمن زنى بها بالإجماع؛ فكذا عدم سؤال النبي عن المرأة لا يُسْقِط الكفارة عنها، والله أعلم.

قال الخطابي: وهذا غير لازم؛ وذلك أن هذا حكاية حال لا عموم لها، وقد يمكن أن تكون المرأة مفطرة بعذر من مرض، أو سفر، أو تكون مكرهة، أو ناسية لصومها أو نحو ذلك من الأمور، وإذا كان كذلك لم يكن ما ذكروه حجة يلزم الحكمُ بها.

واحتجوا أيضًا في هذا بحرف لا أزال أسمعهم يروونه في هذا الحديث وهو قوله: «هَلَكْتُ، وَأَهَلَكْتُ». قالوا: فدل قوله: «وَأَهَلَكْتُ»، على مشاركة المرأة إياه في الجناية؛ لأن الإهلاك يقتضي الهلاك ضرورة، كما أن القطع يقتضي الانقطاع. قلت: وهذه اللفظة غير موجودة في شيءٍ من رواية هذا الحديث، وأصحاب سفيان لم يرووها عنه، وإنما ذكروا قوله: «هَلَكْتُ» حسب، غير أن بعض أصحابنا حدثني أن المعلى بن منصور روى هذا الحديث عن سفيان، فذكر هذا الحرف فيه، وهو غير محفوظ، والْمُعَلَّى ليس


(١) «فتح الباري» (٤/ ١٧٠).

<<  <   >  >>