للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا الصوم قد فضَّله الباري جل اسمه على سائر الطاعات، وذلك بإضافته إلى نفسه العلية؛ تعظيمًا لقدره وشانه، وتنويهًا بسامق مكانه، فقد ثبت فى «الصحيحين» (١) من حديث أبى هريرة قال: قال رسول الله : «قال الله ﷿: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ».

كيف لا! وصيام رمضان أحد أركان الإسلام الركين، ومن أعظم معالمه وأثبت دعائمه، ففى «الصحيحين» (٢)، عن ابن عمر ﴿قال: قال رسول الله : «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ … ». فذكر منها: « … وَصَوْمُ رَمَضَان».

أيامه بالرحمات والسكينة مُجَلَّلة، وبالمنافع والبركات الغزار مُعجَّلة، فى لياليه الطُّهر ليلةٌ خيرٌ من ألف شهرٍ، فيها تنزل الملائكة الكرام، حافِّين بالعباد وهم فى تبتلٍ وابتهالٍ، ودموعهم فى انهمالٍ، راجين من الكبير المتعال أن يغفر لهم زلاتِهم، ويمحو حوباتِهم، ويُقِيل عثراتِهم، ويَكشف كرباتِهم، ويفرِّجُ مُلماتِهم، كلُّ ذلك وأشدُّه أيام الاعتكاف حين يكونون عن الدنيا فى انصراف، بقلوبٍ من ربها وجلة، فلله ما أبهاه من شهر عظيم.

فانظروا إلى ما خصكم الله به من الإنعام والإكرام وحباكم به من العطايا الجسام، وشَرَّفكم بنبي الرحمة ورسول الهدى وأنقذكم ببركته من الردى، فاستدرِكوا رحمكم الله مواسم العمر فحادي الموت بالرحيل قد حدا، واغتنموا ليلة القدر فلعل أن تُكتبوا في ديوان السعداء فإنها ليلة تفوق ليالي الدهر، وهي خير من ألف شهر، فيا فوز من أحياها ويا سعادة من رآها لقد نال فخرًا وسؤددًا.

فليلة القدر يُفتح فيها الباب، وتُقرب الأحباب، ويُسمع الخطاب، ويُرد الجواب، ويُكتب للعاملين فيها جزيل الأجر والثواب.

اعلم أن ليلة القدر ليلة شريفة فيها يتجلى رب الأرباب، ويجزل للعاملين بطاعته الثواب، ويسمع فيها الدعاء ويستجاب فيها، تنزل الملائكة بأمر رب العالمين.


(١) أخرجه البخاري (١٩٠٤)، ومسلم (١١٥١).
(٢) أخرجه البخاري (١/ ٨)، ومسلم (١٦).

<<  <   >  >>