للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واعْتُرِضَ على هذا الاستدلال من وجهين:

الأول: أن هذا الحديث فيه مقال.

الثانى: أنه لو صح فيمكن أن يُجمع بينه وبين الأحاديث السابقة، بأنه كان يصوم يومًا قبله، وهو يوم الخميس.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ (١): وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ على أنه يَصِلُهُ بِيَوْمِ الْخَمِيسِ وَاللَّهُ أَعْلم.

أما دليلهم من المأثور: فقال مالك (٢): لم أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْل الْعِلم وَالْفِقْه، وَمَنْ بِهِ يُقْتَدَى نَهَى عَنْ صِيَام يوم الْجُمُعَة، وَصِيَامُهُ حَسَنٌ، وَقَدْ رَأَيْت بَعْض أَهْل الْعِلم يَصُومهُ، وَأَرَاهُ كَانَ يَتَحَرَّاهُ.

وأُجِيبَ عما احتج به مالك بما قاله النووي (٣): قال: فَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ الَّذِي رَآهُ، وَقَدْ رَأَى غَيْره خِلَاف مَا رَأَى هُوَ، وَالسُّنَّة مُقَدَّمَة عَلَى مَا رَآهُ هُوَ وَغَيْره، وَقَدْ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ صَوْم يوم الْجُمُعَة، فَيَتَعَيَّن الْقَوْل بِهِ. وَمَالِكٌ مَعْذُورٌ؛ فَإِنَّهُ لم يَبْلُغْهُ. قال الدَّاوُدِيّ مِنْ أصحاب مَالِك: لم يَبْلُغْ مَالِكًا هَذَا الْحَدِيثُ، وَلَوْ بَلَغَهُ لم يُخَالِفْهُ.

• القول الثالث: أن إفراد يوم الجمعة بالصوم محرم، وهو قول ابن حزم وابن المنذر والصنعانى (٤).

واستدلوا لذلك بالسنة والقياس:

أما دليلهم من السنة: فاستدلوا بعموم الأحاديث الواردة في النهى عن صوم يوم الجمعة منفردًا، والأصل في النهى التحريم إلا أن تأتى قرينة تصرفه إلى الكراهة.

واعْتُرِضَ على هذا الاستدلال بما قاله الصنعانى (٥): وذهب الجمهور إلى أن النهى عن


(١) ذكره الحافظ في «التلخيص» (١٢/ ٢١٦).
(٢) «الموطأ» (١/ ٣٣٠).
(٣) «شرح مسلم» (٣/ ٢١٠).
(٤) «المحلى» (٧/ ٢٠)، و «فتح الباري» (٤/ ٢٧٦)، و «سبل السلام» (٢/ ٣٤٧).
(٥) «سبل السلام» (٢/ ٣٤٧).

<<  <   >  >>