للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَتَكُونُ صَلَاتُهُ تَامَّةً، وَلَا غَايَةَ لِأَكْثَرِهَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ طَاقَةِ المصَلِّي، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: «مَثْنَى مَثْنَى» فَلم يَحُدَّ بِحَدٍّ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَالَ: «فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً» فَجَعَلَ غَايَةَ ذَلِكَ أَنْ يَخْشَى الصُّبْحَ، وَلم يَجْعَلْ غَايَتَهُ عَدَدًا (١).

وقال العراقي: وَإِنَّمَا المرَادُ أَنَّهُ يُسَلم مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ في هَذَا الْعَدَدِ وَلِهَذَا عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ «فَإِذَا خَشِيت الصُّبْحَ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُصَلِّي مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ بِحَسَبِ مَا يَتَيَسَّرُ لَهُ مِنْ الْعَدَدِ، إلَّا أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ السَّلَامُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ إلَّا أَنْ يَخْشَى الصُّبْحَ، فَيَضِيقَ حِينَئِذٍ وَقْتُ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَيَتَعَيَّنَ الْإِتْيَانُ بِآخِرِهَا وَخَاتِمَتِهَا وَهُوَ الْوِتْرُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي فَهِمَهُ مِنْهُ جَمِيعُ النَّاسِ، وَاللَّهُ أَعْلم (٢).

نقل الإجماع ابن عبد البر وغيره على أن صلاة الليل نافلة مطلقة وغير مقيدة بعدد.

قال ابن عبد البر (٣): فَلَا خِلَافَ بَيْنَ المسْلمينَ أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَأَنَّهَا نَافِلَةٌ وَفِعْلُ خَيْرٍ وَعَمَلُ بِرٍّ، فَمَنْ شَاءَ اسْتَقَلَّ وَمَنْ شَاءَ اسْتَكْثَرَ.

وقال أيضًا (٤): وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلماءُ عَلَى أَنْ لَا حَدَّ وَلَا شَيْءَ مُقَدَّرًا في صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَأَنَّهَا نَافِلَةٌ، فَمَنْ شَاءَ أَطَالَ فِيهَا الْقِيَامَ وَقَلَّتْ رَكَعَاتُهُ، وَمَنْ شَاءَ أَكْثَرَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ.

قال النووي (٥): قَالَ الْقَاضِي: وَلَا خِلَاف أَنَّهُ لَيْسَ في ذَلِكَ حَدّ لَا يُزَاد عَلَيْهِ وَلَا يَنْقُص مِنْهُ، وَأَنَّ صَلَاة اللَّيْل مِنَ الطَّاعَات الَّتِي كُلما زَادَ فِيهَا زَادَ الْأَجْر، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ في فِعْل النَّبِيّ وَمَا اِخْتَارَهُ لِنَفْسِهِ. وَاللَّهُ أَعْلم.

وقال ابن القطان الفاسي (٦): وجُل الآثار أن صلاته بالليل إحدى عشرة ركعة،


(١) «المنتقى» (١/ ٢٢٠).
(٢) «طرح التثريب» (٣/ ٨١).
(٣) «التمهيد» (٤/ ١٥١).
(٤) «الاستذكار» (٢/ ١٠٢).
(٥) «شرح النووي على مسلم» (٥/ ٢٥).
(٦) «الإقناع في مسائل الإجماع» (١/ ١٧٤).

<<  <   >  >>