للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن حجر (١): «وَقَدْ رَدَّ ذَلِكَ اِبْنُ المنْذِرِ وَقَالَ: ظَنَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ قَوْلَهُ في حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: «صَاعًا مِنْ طَعَامٍ» حُجَّةٌ لمنْ قَالَ صَاعًا مِنْ حِنْطَةٍ، وَهَذَا غَلَطٌ مِنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ أَجْمَلَ الطَّعَامَ ثُمَّ فَسَّرَهُ، ثُمَّ أَوْرَدَ طَرِيقَ حَفْصِ بْنِ مَيْسَرَةَ المذْكُورَةَ في الْبَابِ الَّذِي يَلِي هَذَا وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِيمَا قَالَ، وَلَفْظُهُ: «كُنَّا نُخْرِجُ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، وَكَانَ طَعَامُنَا الشَّعِيرَ وَالزَّبِيبَ وَالْأَقِطَ وَالتَّمْرَ».

فدل قوله: «وَكَانَ طَعَامَنَا» أن الزكاة تخرج من غالب قوت أهل البلد.

• القول الثاني: قال ابن قدامة (٢): «وَمَنْ قَدَرَ عَلَى التَّمْرِ، أَوْ الزَّبِيبِ، أَوْ الْبُرِّ، أَوْ الشَّعِيرِ، أَوْ الْأَقِطِ فَأَخْرَجَ غَيْرَهُ لم يُجْزِهِ».

واستدلوا لهذا القول: بما ورد في الصحيح عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ.

وجه الدلالة منه: أَنَّ النَّبِيَّ فَرَضَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ أَجْنَاسًا مَعْدُودَةً، فَلم يَجُزْ الْعُدُولُ عَنْهَا.

• القول الثالث: ذهب ابن حزم إلى أنه لا يجوز إخراج زكاة الفطر من غير التمر والشعير (٣).

واستدل لذلك بأثر ابن عمر: فعن أبي مجلز قال: قلت لابن عمر: إن الله قد أوسع، والبُرُّ أفضل من التمر؟ يعني في صدقة الفطر، فقال له ابن عمر: إن أصحابي سلكوا


(١) «فتح الباري» (٣/ ٤٣٦).
(٢) «المغني» (٤/ ٢٩٢). قال ابن قدامة: ظَاهِرُ المذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْعُدُولُ عَنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ، مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا، سَوَاءٌ كَانَ المعْدُولُ إلَيْهِ قُوتَ بَلَدِهِ أَوْ لم يَكُنْ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَتَوَجَّهُ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يُعْطِي مَا قَامَ مَقَامَ الْخَمْسَةِ، عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ، صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، وَالطَّعَامُ قَدْ يَكُونُ الْبُرَّ وَالشَّعِيرَ وَمَا دَخَلَ فِي الْكَيْلِ. قَالَ: وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ مُحْتَمَلٌ، وَأَقْيَسُهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ غَيْرُ الْخَمْسَةِ.
(٣) قال ابن حزم في «المحلى» (٦/ ١١٩): وَأَجَازَ قَوْمٌ أَشْيَاءَ غَيْرَ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ قَوْمٌ: يُجْزِئُ فِيهَا الْقَمْحُ. وَقَالَ آخَرُونَ: وَالزَّبِيبُ، وَالأَقِطُ. وَاحْتَجُّوا بِأَشْيَاءَ مِنْهَا: أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّمَا يُخْرِجُ كُلُّ أَحَدٍ مِمَّا يَأْكُلُ وَمِنْ قُوتِ أَهْلِ بَلَدِهِ، فَقُلْنَا: هَذِهِ دَعْوَى بَاطِلة بِلا بُرْهَانٍ، ثُمَّ قَدْ نَقَضْتُمُوهَا لأَنَّهُ إنَّمَا يَأْكُلُ الْخُبْزَ لا الْحَبَّ، فَأَوْجَبُوا أَنْ يُعْطِيَ خُبْزًا لأَنَّهُ هُوَ أَكَلَهُ، وَهُوَ قُوتُ أَهْلِ بَلَدِهِ، فَإِنْ قَالُوا: هُوَ غَيْرُ مَا جَاءَ بِهِ الْخَبَرُ. قُلْنَا: صَدَقْتُمْ، وَكَذَلِكَ مَا عَدَا التَّمْرَ وَالشَّعِيرَ. وَقَالُوا: إنَّمَا خَصَّ بِالذَّكَرِ - التَّمْرَ، وَالشَّعِيرَ؛ لأَنَّهُمَا كَانَا قُوتَ أَهْلِ المدِينَةِ. وَهَذَا قَوْلٌ فَاحِشٌ جِدًّا؛ أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ مَكْشُوفٌ؛ لأَنَّ هَذَا الْقَائِلَ قَوَّلَهُ مَا لم يَقُلْ؛ وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا.

<<  <   >  >>