للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجوب، وهذه الزكاة تؤدى كما كان النبي يؤديها، والزكاة عبادة كالصلاة، قال تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ وقال : «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» فكذا فرض رسول الله صدقة الفطر صاعًا من تمر وصاعًا من شعير، فَإِذَا عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَدْ تَرَكَ المفْرُوضَ.

وَقَالَ النَّبِيُّ : «فِي أَرْبَعِينَ شَاةٍ شَاةٌ، وَفِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ». وَهُوَ وَارِدٌ بَيَانًا لمجْمَلِ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ فَتَكُونُ الشَّاةُ المذْكُورَةُ هِيَ الزَّكَاةُ المأْمُورُ بِهَا، وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ. وَلِأَنَّ النَّبِيَّ فَرَضَ الصَّدَقَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى، فَفِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ الَّذِي كَتَبَهُ في الصَّدَقَاتِ أَنَّهُ قَالَ: «هَذِهِ الصَّدَقَةُ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى. وَكَانَ فِيهِ: في خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ بِنْتُ مَخَاضٍ، فَإِنْ لم تَكُنْ بِنْتُ مَخَاضٍ، فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ عَيْنَهَا لِتَسْمِيَتِهِ إيَّاهَا. وَقَوْلُهُ: «فَإِنْ لم تَكُنْ بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ» وَلَو أَرَادَ المالِيَّةَ أَوْ الْقِيمَةَ لم يَجُزْ; لِأَنَّ خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَا تَخْلُو عَنْ مَالِيَّةِ بِنْتِ مَخَاضٍ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ» فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ المالِيَّةَ لَلَزِمَهُ مَالِيَّةُ بِنْتِ مَخَاضٍ (١).

أما دليلهم من السنة: ففي الصحيحين (٢) من حديث ابن عمر ﴿قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ.

والدليل الثاني: عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: «خُذِ الْحَبَّ مِنَ الْحَبِّ، وَالشَّاةَ مِنَ الْغَنَمِ، وَالْبَعِيرَ مِنَ الإِبِلِ، وَالْبَقَرَةَ مِنَ الْبَقَرِ» (٣).

وجه الدلالة منه: أنه تجب الزكاة من العين، ولا يعدل عنها إلى القيمة إلا عند عدمها.

قال ابن قدامة: وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ لِدَفْعِ حَاجَةِ الْفَقِيرِ، وَشُكْرًا لِنِعْمَةِ المالِ،


(١) «المغني» (٤/ ٢٩٦).
(٢) البخاري (١٥٠٣)، ومسلم (٩٨٤).
(٣) ضعيف أُعل بالانقطاع: أخرجه أبو داود «السنن» (١٥٩٩)، وابن ماجه «السنن» (١٨١٤)، والحاكم «المستدرك» (١/ ٣٨٨) وقال: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، إن صح سماع عطاء بن يسار من معاذ بن جبل، فإني لا أثبته. قال الذهبي: قلت: لم يلقه.

<<  <   >  >>