للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على الوجوب.

قال ابن حجر (١) ردًّا على هذا الكلام: فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْإِيجَابِ هُنَا لَكَانَ مُقَدَّرًا، وَكَانَتْ المجَازَفَة فِيهِ وَقَبُول مَا تَيَسَّرَ غَيْر جَائِز.

الدليل السادس: روى مسلم (٢): عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، - فَلم نَزَلْ نُخْرِجُهُ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِى سُفْيَانَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، فَكَلم النَّاسَ عَلَى المنْبَرِ فَكَانَ فِيمَا كَلم بِهِ النَّاسَ أَنْ قَالَ: إِنِّى أُرَى أَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ أَبَدًا مَا عِشْتُ.

وجه الدلالة: أن معاوية عَدَل بمُدين من الحنظة بصاع من التمر.

واعترض عليه بما قاله النووي: تَمَسَّكَ بِقَوْلِ مُعَاوِيَةَ مَنْ قَالَ بِالمدَّيْنِ مِنْ الْحِنْطَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ صَحَابِيٍّ قَدْ خَالَفَهُ فِيهِ أَبُو سَعِيدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الصحَابَةِ مِمَّنْ هُوَ أَطْوَلُ صُحْبَةً مِنْهُ وَأَعْلم بِحَالِ النَّبِيِّ ، وَقَدْ صَرَّحَ مُعَاوِيَةُ بِأَنَّهُ رَأْيٌ رَآهُ لَا أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ .

وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ شِدَّةِ الِاتِّبَاعِ وَالتَّمَسُّكِ بِالْآثَارِ وَتَرْكٍ لِلْعُدُولِ إِلَى الِاجْتِهَادِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ، وَفِي صَنِيعِ مُعَاوِيَةَ وَمُوَافَقَةُ النَّاسِ لَهُ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ وَهُوَ مَحْمُودٌ، لَكِنَّهُ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ (٣).

الراجح في المسألة - والله أعلم - قول الجمهور:

قال ابن قدامة (٤): وَمَنْ أَعْطَى الْقِيمَةَ لم تُجْزِئْهُ. قَالَ أَبُو دَاوُد: قِيلَ لِأَحْمَدَ وَأَنَا أَسْمَعُ:


(١) «فتح الباري» (٣/ ٣١٣).
(٢) مسلم (٩٨٥).
(٣) «فتح الباري» (٣/ ٤٣٨).
(٤) «المغني» (٤/ ٢٩٥).

<<  <   >  >>