للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أُعْطِي دَرَاهِمَ - يَعْنِي في صَدَقَةِ الْفِطْرِ؟ قَالَ: أَخَافُ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ خِلَافُ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ . وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ، قَالَ لِي أَحْمَدُ: لَا يُعْطِي قِيمَتَهُ، قِيلَ لَهُ: قَوْمٌ يَقُولُونَ: عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ يَأْخُذُ بِالْقِيمَةِ. قَالَ: يَدَعُونَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ قَالَ فُلَانٌ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾. وَقَالَ قَوْمٌ يَرُدُّونَ السُّنَنَ: قَالَ فُلَانٌ، قَالَ فُلَانٌ. وَظَاهِرُ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ إخْرَاجُ الْقِيمَةِ في شَيْءٍ مِنْ الزَّكَوَاتِ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيّ.

قال ابن حزم (١): مَسْأَلَةٌ: وَلا يُجْزِئُ إخْرَاجُ بَعْضِ الصَّاعِ شَعِيرًا وَبَعْضِهِ تَمْرًا، وَلا تُجْزِئُ قِيمَةٌ أَصْلًا؛ لأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَا فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ وَالْقِيمَةُ في حُقُوقِ النَّاسِ لا تَجُوزُ إلا بِتَرَاضٍ مِنْهُمَا، وَلَيْسَ لِلزَّكَاةِ مَالِكٌ بِعَيْنِهِ فَيَجُوزُ رِضَاهُ، أَوْ إبْرَاؤُهُ.

قال الشنقيطي (٢): القول بالقيمة فيه مخالفة للأصول من جهتين:

الجهة الأولى: أن النبي لما ذكر تلك الأصناف لم يذكر معها القيمة، ولو كانت جائزة لذكرها مع ما ذكر، كما ذكر العوض في زكاة الإبل، وهو أشفق وأرحم بالمسكين من كل إنسان.

الجهة الثانية: وهي القاعدة العامة، أنه لا ينتقل إلى البدل إلا عند فقد المبدل عنه، وأن الفرع إذا كان يعود على الأصل بالبطلان فهو باطل.

وكذلك لو أن كل الناس أخذوا بإخراج القيمة لتعطل العمل بالأجناس المنصوصة، فكان الفرع الذي هو القيمة سيعود على الأصل الذي هو الطعام بالإبطال، فيبطل.

ومثل ما يقوله بعض الناس اليوم في الهدي بمنى، مثلًا بمثل، عملًا بأن الأحناف لا يجيزون القيمة في الهدي؛ لأن الهدي فيه جانب تعبد، وهو النسك.

ويمكن أن يقال لهم أيضًا: إن زكاة الفطر فيها جانب تعبد، طهرة للصائم، وطعمة للمساكين، كما أن عملية شرائها ومكيلتها وتقديمها فيه إشعار بهذه العبادة.

أما تقديمها نقدًا فلا يكون فيها فرق عن أي صدقة من الصدقات من حيث الإحساس


(١) «المحلى» (٦/ ١٣٧).
(٢) «أضواء البيان» (٨/ ٤٩٣).

<<  <   >  >>