للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واعْتُرِض عليه بأن أهل التفسير اختلفوا في تأويل هذه الآية:

قال الطبري: قوله: ﴿فَصَلَّى﴾ قَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِى بِهِ: فَصَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخُمْسَ. وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِي بِهِ: صَلَاةُ الْعِيدِ يَوْمَ الْفِطْرِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِهِ: وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَدَعَا؛ وَقَالُوا: الصَّلَاةُ هَاهُنَا الدُّعَاءُ.

ثم قال: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ أَنْ يُقَالَ: عُنِيَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَصَلَّى﴾: الصَّلَوَاتِ، وَذَكَرَ اللَّهَ فِيهَا بِالتَّحْمِيدِ وَالتَّمْجِيدِ وَالدُّعَاءِ.

وليس تأويل هذه الآية بأحد التأويلات أَوْلى من غيره، فسقط الاستدلال بها.

أما دليلهم من السنة: فقد روى البخاري (١) عن أُمِّ عَطِيَّةَ قالت: أُمِرْنَا أَنْ نَخْرُجَ فَنُخْرِجَ الْحُيَّضَ وَالْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، قال ابْنُ عَوْنٍ: أَوْ الْعَوَاتِقَ ذَوَاتِ الْخُدُورِ فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَشْهَدْنَ جَمَاعَةَ المسْلمينَ وَدَعْوَتَهُمْ وَيَعْتَزِلْنَ مُصَلَّاهُمْ،

وجه الدلالة: «أُمِرْنَا أَنْ نَخْرُجَ» والأمر يقتضي الوجوب.

قال الحافظ (٢): وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبَ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ من جُمْلَة من أَمْرِ بِذَلِكَ من ليس بِمُكَلَّف فَظَهَرَ أَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ إظْهَارَ شِعَارِ الإِسْلَامْ بِالمبَالغَة في الِاجْتِمَاعِ ولِتَعُمَّ الجَمِيعَ البَرَكَةُ والله أَعَلم.

الدليل الثاني: عَنْ أَبِى عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنْ أصحاب النبي أَنَّ رَكْبًا جَاءُوا إِلَى النبي يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ رَأَوُا الْهِلَالَ بِالأَمْسِ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا، وَإِذَا أَصْبَحُوا أَنْ يَغْدُوا إِلَى مُصَلاَّهُمْ (٣).


(١) أخرجه البخاري (٥١٦).
(٢) «فتح الباري» (٢/ ٥٤٥).
(٣) إسناده ضعيف: أخرجه أبو داود (١١٥٧)، والنسائي (١٥٥٦)، وابن ماجه (١٦٥٣)، وأحمد (٥/ ٥٧، ٥٨)، وغيرهم، وفِي إسناده: أبو عمير بن أنس: مجهول. قال ابن القطان: لم تثبت عدالته. وقال ابن عبد البر فِي «التمهيد» (١٤/ ٣٦٠): وأما أبو عمير بن أنس فلم يرو عنه غير أبي بشر، ومن كان هكذا فهو مجهول. وأخرجه أحمد (١٣٩٧٤)، وابن حبان (٣٤٥٦) وغيرهما من طريق سعيد بن عامر، عن شعبة عن قتادة عن أنس به. وهذه الرواية شاذة؛ لأن الثقات رووه عن شعبة على الوجه الأول. قال أبو حاتم فِي «العلل» (١/ ٢٣٥): أَخْطَأَ فِيهِ سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، إِنَّمَا هُوَ شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عُمُومَتِهِ. وكذا أعله البزار والبيهقي.

<<  <   >  >>