القرآن؟ يا لها من خسارة لا تشبه الخسران أن ترى المحسنين قد حظوا بالقرب والزلفى والرضوان، وأُزلفت لهم الجنات، وأُلبسوا التيجان، وأُعطوا الملك والخلد، وأُدخلوا على الرحمن، وقد رُميت بالطرد والإبعاد والحرمان، تُغل وتُجر إلى النيران، أترى قلبك هذا نائمًا أم يقظان؟
• يا من صام رمضان: لقد عظمت مصيبتك بعدم توبتك فأين مقلتك الباكية؟ وأين دمعتك الجارية؟ وأين زفرتك الرائحة الغادية؟ لأي يوم أخرت توبتك؟ ولأي عام ادخرت أوبتك؟ إلى عام قابل وحول حائل؟ كلا فما إليك مدة الأعمار؟ ولا معرفة المقدار؟ فكم من مؤمل أمّل بلوغه فلم يبلغه؟ وكم من مدرك لم يختمه؟ وكم من أعد طيبًا لعيده جُعل في تلحيده؟ وثيابًا لتزيينه صارت لتكفينه؟ ومتأهبَا لفطره صار مرتهنًا في قبره؟ وكم من لا يصوم بعده سواه وهو يطمع في غيره أنه يراه؟
فأين الصوام القوام المرافقون لنا في سالف الأعوام؟ وأين من كانوا معنا ليالي شهر رمضان شاهدين وفي كل حق لله معاملين؟ أتاهم والله هادم اللذات وقاطع الشهوات ومفرق الجماعات، فأخلي منهم المشاهد؟ وعطل منهم المساجد، تراهم في بطون الألحاد صرعى، لا يجدون لهم فيه دفعًا ولا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا، ينتظرون يومًا الأمم فيه إلى ربها تُدعى والخلائق تحشر إلى الموقف وتسعى والفرائص ترعد من هول ذلك اليوم والعيون تذرف دمعًا، والقلوب تتصدع من الحساب صدعًا (ونفخ في الصور فجمعناهم جمعًا)(١).
فعلى المسلم أن يغتنم مواسم الطاعة ولا يفرط فيها، بل يشتغل بما يدوم نفعه، ويبقى أثره وما هي إلا أيامًا معدودات تصام تباعًا، وتنقضي سراعًا.
أرى الأيام تسرع بارتحال … وبدر الشهر صار إلى هلال
فبادر باغتنام الأجر فيما … سيأتي من عشر فضال
ولا تترك محبك من دعاء … فإن ذنوبه مثل الجبال
(١) أخطاء شائعة ص ١٨٥، للشيخ: أحمد بن عبد الله السبكي.