والصوم شهر الجود والإحسان، والمودة والإخاء والرأفة والرحمة والصفاء، ففي الصحيحين من حديث ابن عباس ﴿قال:«كان رسول الله أجود الناس فكان أجود ما يكون في رمضان»
فكن متصدقًا سرًّا وجهرًا … ولا تبخل وكن سمحًا وهوبا
تجد ما قدَّمَتْه يداك ظلًّا … إذا ما اشتد بالناس الكروبا
فشعور الصائم بالجوع يذكره بإخوانه الذين ذاقوا من البؤس ألوانًا بعد رغد العيش، وتجرعوا من العلقم غصصا بعد وفرة النعيم، فشردتهم وقتلتهم ودمرتهم وطحنتهم الحروب، وبعضهم يعيش بين أنات وأصوات الصواريخ والدبابات والقذائف والنيران، فاعتاضوا عن الفرحة بالبكاء وحل محل البهجة الأنين والعناء، كم من يتيم ينشد عطف الأبوة الحانية، ويلتمس حنان الأم الرؤوم ويدنوا إلى من يخفف بؤسه، وكم من أرملة توالت عليها المحن بفقد عشيرها تذكرت برمضان عزَّا قد مضى تحت كنف زوج عطوف كل اولئك وأمثالهم قد استبدلوا بعد العز ذلًّا، بعد الرخاء والهناء فاقة وفقرًا.
إن المسلم إذا تذكر هذا أو سمعه ذاب قلبه كمدًا وحزنًا وحرقة على ديار المسلمين، وأنه ليجد الكلمات عاجزة والبيان شحيحًا، أف لقلب لا يعتصر لذلك ألما، وعميت عين لا تسح لذلك دمعًا، أين شعور الجسد الواحد في حياة المسلمين؟ إننا نحكي هذه الفجائع ونحن نرى ما لا ينقضي منه العجب، ألسنا كلنا مسلمين؟ إنما المؤمنون إخوة فأين أخوتنا في الدين؟، تلكم الرابطة العظيمة فهلا تحركنا، هلا أنفقنا وجدنا.
من هنا كان واجبًا على كل مسلم أن يعايش هذا الواقع بقلبه وقالبه، ولسانه ويده، ونفسه وماله، وقلمه ودعائه، حتى يكون الجميع على علم وبصيرة بما يراد بالإسلام والمسلمين وليكون الجميع صفا واحدًا في مواجهة قوى الشر وجحافل الباطل على اختلاف مللها ومذاهبها ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: ٩٢] فيا من تصومون في وقت واحد وتفطرون في وقت واحد وتتجهون إلى قبلة واحدة