للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن عبد البر (١): وفى هذا الحديث مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ، وَفِيهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَبَّدَ عِبَادَهُ في الصَّوْمِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ لِرَمَضَانَ، أَوْ بِاسْتِكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَفِيهِ تَأْوِيلٌ لِقَوْلِ اللَّهِ ﷿ ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ أَنَّ شُهُودَهُ رُؤْيَتُهُ، أَوِ الْعِلم بِرُؤْيَتِهِ، وَفِيهِ أَنَّ الْيَقِينَ لَا يُزِيلُهُ الشَّكُّ، وَلَا يُزِيلُهُ إِلَّا يَقِينٌ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ أَمَرَ النَّاسَ أَلَّا يَدعُوا مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ يَقِينِ شَعْبَانَ، إِلَّا بِيَقِينِ رُؤْيَةِ وَاسْتِكْمَالِ الْعِدَّةِ، وَأَنَّ الشَّكَّ لَا يَعْمَلُ في ذَلِكَ شَيْئًا، وَلِهَذَا نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ اطِّرَاحًا لِأَعْمَالِ الشَّكِّ وَإِعْلَامًا أَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَجِبُ، إِلَّا بِيَقِينٍ، لَا شَكَّ فِيهِ، وَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنَ الْفِقْهِ أَنْ لَا يَدَعَ الْإِنْسَانُ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَالِ المتَيَقَّنَةِ، إِلَّا بِيَقِينٍ مِنِ انْتِقَالِهَا، وَقَوْلِهِ «فَإِنَّ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعَدَدَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا» يَقْتَضِي اسْتِكْمَالَ شَعْبَانَ قَبْلَ الصِّيَامِ وَاسْتِكْمَالَ رَمَضَانَ أَيْضًا، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صِيَامُ يَوْمِ الشَّكِّ خَوْفًا أَنْ يَكُونَ مِنْ رَمَضَانَ.

• القول الثانى: ذهب الإمام أحمد في روايةٍ إلى جواز صوم الغيم (٢).

وبه قال عمر (٣) وابن عمر (٤) ..................................................


(١) «التمهيد» (٢/ ٣٩).
(٢) قال ابن القيم في «زاد المعاد» (٢/ ٤٥): وَقال فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: إذَا كَانَ فِي السّمَاءِ سَحَابَةٌ أَوْ عِلّةٌ أَصْبَحَ صَائِمًا، وَإِنْ لم يَكُنْ فِي السّمَاءِ عِلّةٌ أَصْبَحَ مُفْطِرًا. وَكَذَلِكَ نَقَلَ عَنْهُ ابْنَاهُ صَالِحٌ وَعَبْدُ اللّهِ وَالمرْوَزِيّ وَالْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ وَغَيْرُهُمْ.
(٣) إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (٣/ ٧٣).
(٤) روى أبو داود (٢٣٢٠) وغيره بسند صحيح عَنْ نَافِعٍ قال: «كَانَ عَبْدُ اللّهِ إذَا مَضَى مِنْ شَعْبَانَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يومًا يَبْعَثُ مَنْ يَنْظُرُ، فَإِنْ رَأَى فَذَاكَ، وَإِنْ لم يَرَ وَلم يَحُلْ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ وَلَا قَتْرٌ، أَصْبَحَ مُفْطِرًا، وَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ أَوْ قَتْرٌ أَصْبَحَ صَائِمًا. وقد ورد خلاف عنه، فقد روى ابن أبي شيبة (٣/ ٧١) بسند حسن عن ابن عمر أنه قال: لَوْ صُمْت السَّنَةَ كُلَّهَا لأَفْطَرْتُ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ.

<<  <   >  >>