للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على ثمانية مذاهب (١).

قال شيخ الإسلام (٢): فَالضَّابِطُ أَنَّ مَدَارَ هَذَا الْأَمْرِ عَلَى الْبُلُوغِ لِقَوْلِهِ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ» فَمَنْ بَلَغَهُ أَنَّهُ رُئِيَ ثَبَتَ في حَقِّهِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ بِمَسَافَةٍ أَصْلًا، وَهَذَا يُطَابِقُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، في أَنَّ طَرَفَيْ المعْمُورَةِ لَا يَبْلُغُ الْخَبَرُ فِيهِمَا إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ، فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ، بِخِلَافِ الْأَمَاكِنِ الَّذِي يَصِلُ الْخَبَرُ فِيهَا قَبْلَ انْسِلَاخِ الشَّهْرِ فَإِنَّهَا مَحَلُّ الِاعْتِبَارِ.

• القول الثالث: فَرَّقُوا بين البلدان إذا تقاربت وتباعدت فقالوا: إذا كانت قريبة فالرؤية ملزمة (٣)، وإذا كانت بعيدةً فلا تكون مُلزمة.

والراجح هو ما ذهب إليه جمهور أهل العلم، أنه إذا رآه أهل بلدٍ فيَلزمُ باقي بلاد المسلمين العمل بمقتضى هذه الرؤية، وأنه لا عبرة باختلاف المطالع؛ لقوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾، ولقوله : «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» والخطاب عامٌّ لجميع الأمة؛ فمن رآه منهم في أى مكانٍ كان ذلك رؤيةً لجميعهم. وأما حديث كُرَيبٍ أن الهلال رُؤي في الشام ليلة الجمعة، ورُؤي في المدينة ليلة السبت، فسأل ابن عباس عن العمل بمقتضى رؤية أهل الشام فقال ابن عباس: لا، هكذا أمَرنا رسول الله.

فقد اعْتُرِضَ عليه: بأن هذا قول ابن عباس ورأيه، ثم إنه لم يعلم برؤية معاوية لهلال رمضان في الحال، ولو علمها لتغيرت فتواه، والحجة في قول النبي ، وهذا لا يختص بأهل ناحيةٍ على جهةٍ الانفراد، بل هو خطابٌ لكل ما يصلُح من المسلمين؛ فالاستدلال به على لزوم أهل بلدٍ لغيرهم من أهل البلاد أظهر من الاستدلال به على عدم اللزوم؛ لأنه إذا رآه أهل بلد فقد رآه المسلمون فيلزم غيرهم ما لزمهم.

وقد أفتى المجمع الفقهي بجدة بأنه إذا ثبتت الرؤية في بلد وجب على المسلمين


(١) «الروضة الندية» (١/ ٢٢٤).
(٢) «مجموع الفتاوى» (٢٥/ ١٠٧).
(٣) قال النووي في «المجموع» (٦/ ٢٧٣): إذا رأوا الهلال في رمضان في بلد ولم يروه غيره، فإنْ تقارَبَ البلدان، فحكمهما حكم بلد، ويلزم أهل البلد الآخر الصوم بلا خلاف.

<<  <   >  >>