للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَبَّاسٍ ﴿، ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلَالَ فَقال: مَتَى رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ؟ فَقُلْتُ: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ. فَقال: أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا، وَصَامَ مُعَاوِيَةُ.

فَقال: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ أَوْ نَرَاهُ. فَقُلْتُ: أَوَلَا تَكْتَفِى بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ؟ فَقال: لَا هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ .

وجه الدلالة منه: أن ابن عباس لم يعمل برؤية معاوية في الشام، وفى هذا دليلٌ على أن لكل بلدٍ رؤية.

واعْتُرِضَ عليه بما قاله الشوكاني (١): واعلم أن الحجة إنما هى في المرفوع من رواية ابن عباس، لا من اجتهاده الذى فهم عنه الناس والمشار إليه بقوله: «هكذا أمرَنا رسول الله » هى قوله: «فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين»، والأمر الكائن من رسول الله هو ما أخرجه الشيخان وغيرهما بلفظ: «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأكَمِلُوا الَعِدةُ ثَلَاثيِن».

وهذا لا يختص بأهل ناحية على جهة الانفراد، بل هو خطابٌ لكل من يصلح له من المسلمين، فالاستدلال به على لزوم رؤية أهل بلد لغيرهم من أهل البلاد أظهر من الاستدلال به على عدم اللزوم، لأنه إذا رآه أهل بلد فقد رآه المسلمون، فيلزم غيرهم ما لزمهم.

قال صديق حسن خان: وأما استدلال من استدل بحديث كريب عند مسلم وغيره «أنه استهل عليه رمضان، وهو بالشام فرأى الهلال ليلة الجمعة، فقدم المدينة فأخبر بذلك ابن عباس، فقال: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ أَوْ نَرَاهُ، ثم قال: «هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ »، وله ألفاظ - فغير صحيح؛ لأنه لم يصرح ابن عباس بأن النبي أمرهم بأن لا يعملوا برؤية غيرهم من أهل الأقطار، بل أرى ابن عباس أنه أمرهم بإكمال الثلاثين، أو يروه ظنًّا منه أن المراد بالرؤية رؤية أهل المحل، وهذا خطأ في الاستدلال أوقع الناس في الخبط والخلط حتى تفَرَّقوا في ذلك


(١) «نيل الأوطار» (٤/ ٢٣٠).

<<  <   >  >>