للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رسول الله : «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ»، والأحاديث على هذا المعنى متوافرة ومتضافرة.

ووجه دلالة من الآية والحديث: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ»، وأن الخطاب عام لجميع الأمة فمن رآه منهم في أى مكان كان ذلك رؤية لجميعهم.

• القول الثانى: لا يلزمهم صيامه حتى يروه، وأن لكل بلد رؤية؛ لأن الطوالع والغوارب تختلف لاختلاف البلدان، وكل قومٍ إنما خوطبوا بمطلعِهم ومغربِهم، ألا ترى أن الفجر قد يتقدم في مكانٍ على آخر، فكذلك الهلال، وهى رواية عن مالك (١)، ووجه عند الشافعية (٢)، وحكاه ابن المنذر عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وابن عمر وعكرمة وهو مذهب إسحاق (٣).

واستدلوا لهذا القول بما روى مسلم (٤) عَنْ كُرَيْبٍ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ بَعَثَتْهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ قال: فَقَدِمْتُ الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا، وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ فَرَأَيْتُ الْهِلَالَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ قَدِمْتُ المدِينَةَ في آخِرِ الشَّهْرِ، فَسَأَلَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ


(١) انظر: «بداية المجتهد» (١/ ٢٨٧). قال ابن رشد: وَرَوَى المدَنِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الرُّؤْيَةَ لَا تَلْزَمُ بِالْخَبَرِ عِنْدَ غير أَهْلِ الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ الرُّؤْيَةُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ يَحْمِلُ النَّاسَ عَلَى ذَلِكَ.
(٢) انظر: «الحاوي الكبير» (٣/ ٢٠٦) قال الماوردي: فَلَوْ رَآهُ أَهْلُ الْبَلَدِ وَلم يَرَهُ أَهْلُ بَلَدٍ آخَرَ هلال رمضان، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ الَّذِينَ لم يَرَوْهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُمْ صِيَامُهُ حَتَّى يَرَوْهُ؛ لِأَنَّ الطَّوَالِعَ وَالْغَوَارِبَ قَدْ تَخْتَلِفُ لِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ، وَكُلُّ قَوْمٍ فَإِنَّمَا خُوطِبُوا بِمَطْلَعِهِمْ وَمُغْرِبِهِمْ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْفَجْرَ قَدْ يَتَقَدَّمَ طُلُوعُهُ فِي بَلَدٍ، وَيَتَأَخَّرُ فِي آخَرَ؛ فَكَذَلِكَ الْهِلَالُ.
(٣) انظر: «معالم السنن» (٢/ ٧٤٨). قال الخطابي: واختلف الناس في الهلال يستهله أهل البلد في ليلة، ثم يستهله أهل بلد آخر في ليلة قبلها أو بعدها: فذهب إلى ظاهر حديث ابن عباس القاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله بن عمر، وعكرمة، وهو مذهب إسحاق وقالوا: لكل قوم رؤيتهم.
(٤) أخرجه مسلم (٢٨، ١٠٨٧).

<<  <   >  >>