للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي «الصحيحين» أيضًا (١) عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَسْلميَّ قال لِلنَّبِيِّ : أَأَصُومُ في السَّفَرِ؟ وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ، فَقَالَ: «إِنْ شئت فَصُمْ، وَإِنْ شئت فَأَفْطِرْ».

وفي «الصحيحين» (٢) عن أبي الدرداء قال: «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ في بَعْضِ أَسْفَارِه، في يوم حَارٍّ حَتَّى يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ، وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ النَّبِيِّ وَابْنِ رَوَاحَةَ».

وروى مسلم (٣) عن أبي سعيد الخدري ، قال: «كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ في رَمَضَانَ، فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا المفْطِرُ، فَلَا يَجِدُ الصَّائِمُ عَلَى المفْطِرِ وَلَا المفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ، يَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ قُوَّةً فَصَامَ فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ، وَيَرَوْنَ أَنَّ مَنْ وَجَدَ ضَعْفًا فَأَفْطَرَ فَإِنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ» (٤).


(١) أخرجه البخاري (١٩٤١)، ومسلم (١١٢١).
(٢) أخرجه البخاري (١٩٤٥)، ومسلم (١١٢٢).
(٣) أخرجه مسلم (١١١٦).
(٤) وذهب أهل الظاهر إلى أنه لا يصح صوم رمضان في السفر، فإن صامه لم ينعقد ويجب قضاؤه لعموم قوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ قال ابن حزم في «المحلى» (٦/ ٢٥٣): وَلَا فَرْضَ على المرِيضِ وَالمسَافِرِ إلاَّ أَيَّامًا أُخَرَ غير رَمَضَانَ.
واعترض على هذا الاستدلال من وجوه:
الأول: ما قاله الجصاص «أحكام القرآن» (١/ ٢٦٥): فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ الْإِفْطَارَ فِي السَّفَرِ رُخْصَةٌ يَسَّرَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْنَا، وَلَوْ كَانَ الْإِفْطَارُ فَرْضًا لَازِمًا لَزَالَتْ فَائِدَةُ قَوْلِهِ: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ﴾ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ المسَافِرَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْإِفْطَارِ وَبَيْنَ الصَّوْمِ.
الثاني: أن النبي وأصحابه صاموا في السفر وهو المبيِّن لما نُزِّل إليه فدل ذلك على معنى الآية أن المريض والمسافر مخيران بين الصوم والإفطار.
وأما دليلهم من السنة فهو ما روى البخاري (٢٨٩٠)، ومسلم (١١١٤) عن جابر بن عبد الله ﴿أن رسول الله خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ فَصَامَ النَّاسُ، ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ، ثُمَّ شَرِبَ فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ. فَقَالَ: «أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ».=

<<  <   >  >>