للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما يطلق عليه سفر.

واستدلوا لذلك بما روى مسلم (١) عن أنس بن مالك قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ أَوْ ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ».

واعترض على هذا الاستدلال من وجوه:

الأول: في إسناده يحيى بن يزيد، قال فيه الحافظ: مجهول.

الثاني: ما قاله ابن الجوزي أن يكون رسول الله خرج بنية السفر الطويل، فلما سار ثلاثة أميال قصر ثم عاد من سفره، فحكى أنس ما رأى.

الثالث: أن الحديث مشكوك فيه هل هو ثلاثة فراسخ أم ثلاثة أميال (شك شعبة).

قال القرطبي: وهذا لا حجة فيه لأنه مشكوك فيه، وعلى تقدير أحدهما فلعله حد المسافة التي بدأ منها القصر، وكان سفرًا طويلًا زائدًا على ذلك.

الراجح في المسألة والله أعلم: أنه يباح للصائم الفطر في كل ما يطلق عليه سفرٍ.

قال ابن قدامة (٢): وَلَا أَرَى لما صَارَ إلَيْهِ الْأَئِمَّةُ حُجَّةً؛ لِأَنَّ أقوالٍ الصَّحَابَةِ مُتَعَارِضَةٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَلَا حُجَّةَ فِيهَا مَعَ الِاخْتِلَافِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ خِلَافُ مَا احْتَجَّ بِهِ أَصْحَابُنَا، ثُمَّ لَوْ لم يُوجَدْ ذَلِكَ لم يَكُنْ في قَوْلِهِمْ حُجَّةٌ مَعَ قَوْلِ النَّبِيِّ وَفِعْلِهِ، وَإِذَا لم تَثْبُتْ أقوالُهُمْ امْتَنَعَ المصِيرُ إلَى التَّقْدِيرِ الَّذِي ذَكَرُوهُ لِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِسُنَّةِ النَّبِيِّ الَّتِي رَوَيْنَاهَا وَلِظَاهِرِ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ إبَاحَةُ الْقَصْرِ لمنْ ضَرَبَ في الْأَرْضِ؛ لقوله تعالى: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ في الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ﴾.

وَالثَّانِي: أَنَّ التَّقْدِيرَ بَابُهُ التَّوْقِيفُ، فَلَا يَجُوزُ المصِيرُ إلَيْهِ بِرَأْيٍ مُجَرَّدٍ، سِيَّمَا وَلَيْسَ لَهُ


(١) أخرجه مسلم (٦٩١)، وغيره، وفي إسناده يحيى بن يزيد الهنائي، قال أبو حاتم: شيخ. وقال ابن عبد البر «الاستذكار» (٢/ ٤٢٠): يَحْيَى بْنُ يَزِيدَ الْهُنَائِيُّ شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، لَيْسَ مِثْلُهُ مِمَّنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَحْمِلَ هَذَا المعْنَى الَّذِي خَالَفَ فِيهِ جُمْهُورَ الصَّحَابَةِ التَّابِعِينَ، وَلَا هُوَ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ فِي ضَبْطِ مِثْلِ هَذَا الْأَصْلِ.
(٢) «المغني» (٣/ ١٠٨).

<<  <   >  >>