بَيَانا لأَسْبابِهِ وطُرُقِهِ وأنت امشِ فيها، فالْقُرْآن فِي الحقيقةِ تِبَيَان لكلِّ شيءٍ، حَتَّى فِي غيرِ الأُمُورِ الشَّرْعِيَّة يُبَيِّنها، لكِن ما يُبيِّن تفصيلَها؛ لِأَنَّ غير الأُمُور الشَّرْعِيَّة خاضع للزمانِ والمكانِ وأفهامِ النَّاسِ وقوَّتهم، لَكِنَّهُ يذكر الأَسْبَاب والطرقَ، وأنت استعمِلْها فِي نفسِكَ.
ولهِذَا إِذَا قَالَ قَائِلٌ: كيف يَصِحُّ هَذَا القَوْلُ منكم ونحن لا نرَى فِي الْقُرْآن عدد ركعاتِ الصَّلَاة، ولا نرى فيها أَنَّهَا خمسُ صلواتٍ، ولا نرى أنصباءَ الزكاةِ، ولا مقاديرَ الواجبِ فيها، فما هُوَ الجواب؟
فالجواب أن نَقُول: يَكُون الْقُرْآن دالًّا عَلَى هَذَا ببَيَان سببِه وطريقِه، فعندنا الْآنَ طريق العلمِ بهَذَا الشَّيْءِ هُوَ ما فسَّره الرَّسُول - صلى الله عليه وسلم - وهَذَا بيَّنه الْقُرْآن، ولا يلزم أن يَكُون هَذَا الْقُرْآن لَا بُدَّ أن يذكر كُلّ التفاصيلِ، قَالَ تَعَالَى:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}[النساء: ٨٠]، وقال تَعَالَى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[النحل: ٤٤].
وابنُ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - فِي قِصَّة لعنِ النامصةِ والمتنَمِّصَةِ حَيْثُ جاءتْ إليه امرأةٌ فقالت: إنَّا لا نجد هَذَا فِي كتاب الله. فقال: بلى هُوَ فِي كتاب اللهِ. ثُمَّ تلا عليها قوله تَعَالَى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[الحشر: ٧](١).
فالحاصل: أن الْقُرْآنَ مُبِينٌ لكلِّ شيءٍ، لكِن البَيَان قد يَكُون تفصيليًّا، وهَذَا فِي بعض الأُمُور موجود، كما فِي المواريثِ مثلًا، وَفِي المطلَّقات، فتجد ما يَشِذُّ عن هَذَا إِلَّا مسائل قليلة جدًّا، ومع ذلك بَيَانها موجودٌ عند التأمُّل.
(١) انظر: صحيح البخاري، كتاب اللباس، باب المتنمصات، حديث رقم (٥٥٩٥)؛ صحيح مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة والمتفلجات والمغيرات خلق الله، حديث رقم (٢١٢٥).