للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ: أن الْإِنْسَان إذا رأى أَنَّهُ أفضلُ من غيرِهِ بنعمةِ اللهِ عليه فإن هَذَا لا يُنافي التواضُعَ، يعني عندما تشعر أن الله أنعمَ عليكَ بالمالِ وفَضَّلَكَ عَلَى هَذَا، فهذا لا يعني أَنَّك ترَفَّعْتَ وتَكَبَّرْتَ، بل إنك لا يمكنُ أن تدركَ نعمةَ اللهِ عليك حَتَّى تعرفَ ضِدَّها فِي غيرك، فإذا رأيتَ مثلًا إِنْسَانًا مبتلى فِي بدنه والله تَعَالَى قد عافاكَ، عرفتَ فضلَ نعمةِ اللهِ، تقول: الحمد لله الَّذِي عافاني ممَّا ابتلاهُ به وفضَّلني عليه، وعندما ترَى جاهلًا وأنتَ قدْ منَّ اللهُ عليكَ بالعلمِ فإنك كذلك أيضًا ترى فضلَ نعمةِ اللهِ عليكَ بهَذَا العلم، ولا يُعَدّ هَذَا من بابِ الترفُّع والاستهانة بالغيرِ، ولهَذَا قالا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ}.

وقد يتراءى للإِنْسَانِ أَنَّهُ إذا رأى فضلَه عَلَى غيرِه بما أنعمَ اللهُ عليه أن ذلك أمرٌ مذمومٌ، وَأَنَّهُ يتضمن الترفُّعَ والاستهانةَ بالغيرِ، وَلَيْسَ الأَمْرُ كذلكَ، لكِن هَذَا حَسَب نِيَّةِ الْإِنْسَان، فشعوره بعلوِّهِ بما فَضَّلَهُ اللهُ به عَلَى غيرِه قد يَكُون علوًّا وقد يَكُون ازدراءً، وقد ينظرُ إِلَى نعمةِ اللهِ عَلَى غيرِه عَلَى وجهِ الحِكْمَةِ، يَقُول: إن الله حكيمٌ، ولولا أن هَذَا أهلٌ ما أعطاهُ، ثُمَّ يَسعَى فِي تكميلِ الفضائلِ لينالَ ما نالَ، المهمُّ أن هَذِهِ المسألة ترجع إِلَى النيَّة.

الفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ: مشروعيَّة التحدُّث بنعمةِ اللهِ، لكِن لا عَلَى سبيلِ الافتخارِ والعلوِّ عَلَى الغيرِ، ولهَذَا جاء فِي الحديث عن الرَّسُول عَلَيهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: "أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ" (١)، فالْإِنْسَانُ إذا تحدَّث بنعمةِ اللهِ غيرَ مفتخِرٍ بها فَإِنَّهُ لا بأسَ


(١) رواه الترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة بني إسرائيل، حديث رقم (٣١٤٨)؛ وابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر الشفاعة، حديث رقم (٤٣٠٨)، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -. ورواه مسلم بدون: "ولا فخر"، كتاب الفضائل، باب تفضيل نبينا - صلى الله عليه وسلم - على جميع الخلائق، حديث رقم (٢٢٧٨)، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>