وهَذَا النَّمْلُ من جملةِ المخلوقاتِ الَّتِي تَعْرِف ربَّها وتعرف ما يَنْفَعُها وما يَضُرُّها عَلَى حَسَب ما رُكِّبَ فيها من هدايةٍ، وقد قَالَ موسى - صلى الله عليه وسلم - لِفِرْعَوْنَ:{قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}[طه: ٥٠]، {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ} أي الخلقَ اللائقَ به، فكُلّ شيءٍ من الحيوان وغيرِه له خَلْق يَليق به أعطاهُ اللهُ، ثُمَّ هَدَى هَذَا الخلقَ أيضًا لما تَقُومُ به مصالحُه، فهَذَا النملُ من جُملةِ المخلوقاتِ الَّتِي أَعطاها اللهُ تَعَالَى خَلْقَهَا وهداها.
قَالَ المُفَسِّر: [{حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ} وَهُوَ بالطائفِ أو بالشامِ]، خِلاف، ولا دليلَ لا عَلَى الطائفِ ولا عَلَى الشامِ، والأقرب أَنَّهُ بالشامِ -ومعَ ذَلِكَ لا نَجْزِمُ به- لِأَنَّ مَقَرّ سُلَيْمَان عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ فِي الشامِ، وتعيين المكانِ ليس منَ الأُمُورِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا فِي القصة؛ لِأَنَّ المقصودَ الاعتبارُ بما جَرَى فِي أيِّ مكانٍ كَانَ من الْأَرْض، وقَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ:[نمله صِغار أو كبار]، أيضًا ما لنا ولهَذَا، بعضهم يَقُول: نمله كبار، والنَّمْلة كالذئب، يعني صار النمل حميرًا! وهَذَا لَيْسَ بصحيحٍ، بلِ النملُ هُوَ المعروفُ فِي لغةِ العربِ، وكل مَنْ فَسّرَ شيئًا من الْقُرْآن بخلافِ ما تَقتضيه اللُّغةُ العربيّةُ فَإِنَّهُ لَابُدَّ له من دليلٍ، وإلا فَيرَدَّ عليه؛ لأنّ مَعَنا أصلًا أصيلًا فِي تفسيرِ الْقُرْآن وَهُوَ قوله تَعَالَى:{بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}[الشعراء: ١٩٥]، فمَن زَعَمَ أنَّ شيئًا من الْقُرْآن عَلَى خلافِ هَذَا اللسانِ العربيّ المبينِ فعليه الدَّلِيلُ.
(١) صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب هل للأسير أن يقتل ويخدع الذين أسروه حتى ينجو من الكفرة؟ ، حديث رقم (٢٨٥٦)؛ صحيح مسلم، كتاب السلام، باب النهي عن قتل النمل، حديث رقم (٢٢٤١)، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.