صار لا يفوت السامعَ منَ المقصودِ شيءٌ، هِيَ قالت:{يَاأَيُّهَا النَّمْلُ} ولم تقلْ: يا نملُ. ثُمَّ إن نداءَ البعيدِ أيضًا يَدُلّ عَلَى أَنَّهَا صَوَّتَتْ بصوتٍ سمِعه الكلُّ {يَاأَيُّهَا النَّمْلُ}.
وفي قولِها:{ادْخُلُوا} هَذَا أمرٌ، والمُرادُ به الإرشادُ، قالت:{ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ}، وَفِيهِ تعيينِ المساكِنِ وهي الملاجِئ، وهَذَا مثل صفَّارات الإنذارِ عندَ النَّاسِ، فإذا صفّرت صفَّارة الإنذارِ لا يَذْهَبون إِلَى السُّطُوح، ولكِن يذهبون إِلَى الملاجِئِ، وهِيَ أيضاً أَرْشَدَتْهُم إِلَى ملاجئهم:{ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ}، ثُمَّ فِيهِ أيضاً إشارةٌ إِلَى أن هَذِهِ المساكن كما أَنَّهَا أكنان يُكْتَنّ بها الْإِنْسَان فهي أيضاً حُصُون يَحْتَرِزُ بها الْإِنْسَان، قَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (٢٥) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} [المرسلات: ٢٥ - ٢٦].
وفي قولها:{مَسَاكِنَكُمْ} هو الإضافةُ هنا عَلَى تقدير (اللام)، لا (من) ولا (في)؛ لِأَنَّ الإضافة تكونُ عَلَى تقدير (من) إذا كَانَ المضاف من جنس المضاف إليه كخاتَمِ حديدٍ، وبابِ خَشَبٍ.
وتكون عَلَى تقدير (في) إذا كَانَ المضاف إليه ظرفًا للمضاف؛ كما فِي قوله تَعَالَى:{بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}[سبأ: ٣٣]، أي: مَكْرٌ فِي الليلِ.
وتكون عَلَى تقديرِ اللَّام، وهي الغالبُ والأكثرُ، وهنا عَلَى تقديرِ اللامِ، واللامُ المُقَدَّرَة فِي الإضافةِ هنا هل هِيَ للاختصاصِ أو لِلْمِلْكِ؟