هَذِهِ تحتاج إِلَى دراسة علمِ الأحياءِ، وقد قرأتُ كلامًا يَقُول: إن النمل -بإذن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى- إذا مَشَى فَإِنَّهُ يُفْرِزُ أَشْيَاء تمشي النملات الأُخْرَى عَلَى رائحتها، وهَذَا شَيْء أنا شاهدتُه بعيني، حَيْثُ إِنَّهُ كَانَ يوجد بِسَاط كبيرٌ وَكَانَ النملُ يَمشي ويأتي عَلَى زاوية ثُمَّ يَرجِع، يعني يمشي مستطيلاً ويأتي عَلَى الزاوية ثُمَّ يرجع، كُلّ النمل عَلَى هَذَا، يعني لا يذهب فِي طريقٍ مستقيمٍ مخُتصَر، فأنا تَعَجَّبْتُ كيف يعرف الطريقَ؟ لو كَانَ عَلَى ترابٍ لكانَ يبين أثر النمل وَيمشي بعضهم مَعَ بعض، لكِن هَذَا لَيْسَ عَلَى ترابٍ، ولكِن بَعْد أن قرأتُ هَذَا عنه عرفتُ أَنَّهُ إذا مشَى يَكُون له رائحةٌ وتمشي بقيَّة النمل عَلَى هَذِهِ الرائحةِ، وهَذَا من آيَاتِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، هَذَا معنى قوله:{أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}[طه: ٥٠].
عَلَى كُلّ حالٍ: الَّذِي يَلْزَمُنا من هَذِهِ الآيَاتِ الكَريمَةِ أن النَّمْلةَ أدركتْ ذلك برؤيةٍ أو بغيرِها.
قوله:{قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} انظُرْ هَذِهِ الجملة تضمنت نداءً وأمرًا وإرشادًا وتحذيرًا وتعذيرًا وغير ذلك مما يمكن أن نُدْرِكَهُ إن شاء الله بَعْد الكَلام بالتفصيلِ.
وقوله:{يَاأَيُّهَا النَّمْلُ} هَذَا نداءٌ، وقد تَقَدَّمَ أن تصديرَ الجملةِ بالنداءِ الغرضُ مِنه التنبيهُ، فإذا قلتُ:(افعل) أو (يا فلان افعلْ) الأخيرة أعظمُ وأبلغُ، فهَذَا لتنبيهِهِ، ثُمَّ إن قولها:{يَاأَيُّهَا النَّمْلُ} نداءٌ بعيدٌ مُصَدَّر بِتنبيهٍ {يَاأَيُّهَا النَّمْلُ}؛ لِأَنَّهَا لو قالتْ:(يا نملُ) فقد يَخْفَى؛ لِأَنَّهُ كما هُوَ مشاهَد الْإِنْسَان أوَّلَ ما يُكَلِّمُك قد يَخْفَى عليك أوَّلُ جملةٍ، لكِن إذا جاء بشيءٍ يُنبِّه قبلَ الدخولِ فِي الموضوعِ المقصودِ