قوله:{ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا}: (مِن) بَيَانيَّة، والبَيَانية للتعليلِ، يعني بسببِ قولهِا تبسَّمَ، هَذَا التبسُّمُ ما مصدرُه؟ هل تبسم من قولها، أمْ من تحذيرها، أم من اعتذارها، أم من إرشادها، أم من فصاحتها؟
من كُلّ ما يتضمنه هَذَا القَوْل؛ لِأَنَّهُ فِي الحقيقة محلّ عَجَب، أَنَّهَا تتكلم بهَذَا الكَلام البليغِ، وبهَذِهِ السرعةِ، فما ذهبت تُرتِّب وتأتي بالعناصر وتزيِّن، فهَذَا لَا شَكَّ أَنَّهُ محلّ ضحِك، ثُمَّ هُوَ أيضًا محل ضحِك لَيْسَ من القَوْلِ فقطْ، بل من مغزى هَذَا القَوْل، ولهَذَا جعله من نعمة الله:{وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ}، مغزى هَذَا القَوْل أن سُلَيْمَان عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَعْتَرِف حَتَّى الحشرات بعظمته وعظمة جنودِهِ، وهَذَا لَا شَكَّ أَنَّهُ من نعمة الله عليه.
فهَذَا التبسُّمُ إذن مِنَ القَوْلِ من مضمونِهِ ودلالتِه وكذلك من مغزاه، وما يتضمنه من نعمة الله تَبَارَكَ وَتَعَالى عَلَى سُلَيْمَان.
قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا} وقد سمِعه من ثلاثة أميالٍ حملته إليه الريحُ، فحَبَسَ جُنْدَه حين أشرفَ عَلَى واديهم، حَتَّى دخلوا - أي: النمل - بيوتهم، وَكَانَ جُنْدَه ركبانًا ومشاةً فِي هَذَا السير].
يَقُول رَحِمَهُ اللهُ:[وقد سمعه من ثلاثة أميال] من أين جاء بهَذَا؟ أخبار إسرائيليَّة بل إن الْقُرْآن {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ}[النمل: ١٨]، يَدُلّ عَلَى أَنَّهُم وصلوا إليه، غاية ما هنالك أَنَّهُم لما حُذِّر النمل بهَذَا التحذير دخل فِي المساكن، يعني لَيْسَ بينهم