للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبين أن يطئوا هَذَا النمل إِلَّا دخول النمل مساكنهم، وهَذَا لا يقتضي أن يَكُون بينه وبينهم ثلاثة أميال، ولا دليل عَلَى ذلك، وإنما يقال: إنَّهُ سمعه من قُرْب، وهل سمعه غيره من جنوده؟

الظَّاهر أَنَّهُم ما سمِعوه ولا عرفوه؛ لِأَنَّ قوله: {عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} [النمل: ١٦]، يَدُلّ عَلَى أن تعليم نطق الحيوانات خَاصّ بسُلَيْمَان عَلَيْهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَلَيْسَ كما يزعم بعض الْعَامَّة، فبعض الْعَامَّة يَقُولُونَ: فِي أول الأَمْر كَانَ كُلّ شَيْء يتكلم، ويأتون بقصصٍ عَلَى هَذَا، وهَذَا لَيْسَ بصحيح، لَيْسَ هناك كلام معلوم إِلَّا فِي الأممِ فيما بينها، وَأَمَّا أن الإنس يَعلَمون كلام الجنّ أو مثلًا يعلمون كلام الحشراتِ فلا، إِلَّا بدليلٍ، إذا وجد دليل عن المعصومِ فهَذَا صحيحٌ، مثلما أَخبرَ النَّبِيّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عن الذئبِ الَّذِي تَكَلَّم (١)، وأخبرَ أيضًا عن البقرةِ الَّتِي رَكِبَها صاحبها وقالت له: إنَّا لم نُخْلَقْ لهَذَا (٢)، المهمُّ ما دلَّ عليه الدَّلِيل وجبَ علينا أن نَقْبَلَهُ، وإلَّا فالأَصْلُ أن المخلوقَ يَتكلَّم بلغتِه، وأن كُلّ جنس لا يَفهَم لغةَ جِنْسِه.

قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي} أَلهمْنِي {أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ} بها {عَلَيَّ}].

قوله: {وَقَالَ رَبِّ}: (ربِّ) منادى حُذِفَت منه ياء النداءِ، وأصله: يا ربِّ، وحُذفت الياء المضاف إليها للتخفيف، وإلا فأصلها: (ربي) بالياءِ. ودائمًا يأتي الدعاءُ بحذفِ ياءِ النداءِ؛ ابتداءً بذكرِ اسمِ اللهِ وعنايةً بالمقصودِ، وَهُوَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى،


(١) انظر: صحيح البخاري، كتاب الأنبياء، باب حديث الغار، حديث رقم (٣٢٨٤)؛ صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة - رضي الله عنه -، باب من فضائل أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، حديث رقم (٢٣٨٨)، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) التخريج السابق.

<<  <   >  >>