{رَبِّ} يبتدئ به قبل كُلّ شَيْء، وَكَأنَّ الْإِنْسَان لشدَّة شَوْقه لربِّه أثناء دعائه ما يَبْدُرُ منه إِلَّا اسْم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
قوله:{وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي}: {أَوْزِعْنِي} من حَيْثُ الإعرابُ يقال: فعلْ أمرٍ، لكِن النحْويُّون رَحَمَهُم اللهُ تأدُّبًا مَعَ الله ما يَقُولُونَ: فعل أمرٍ؛ لأنك لا تأمر الله، فيُسمُّونه فعلَ دعاءٍ، فعندما نُعْرِب {رَبِّ أَوْزِعْنِي} نَقُول: (أَوْزعْ) فعلُ دعاءٍ، لا نَقُول: فعل أمرٍ يُقصَد به الدعاء، هُوَ حقيقة فعل أمرٍ والمقصود به الدعاء، لكِن تأدْباً مَعَ اللهِ نَقُول: فعل دعاءٍ.
يَقُول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{أَوْزِعْنِي} أَلْهِمْنِي {أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ} بها {عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ}]، قَالَ:{رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ} الحامِلُ لسُلَيُمان عَلَيهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أن يَقُول هَذَا الاعترافُ بنعمةِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وخوف الغرورِ بالنفسِ؛ لِأنَّهُ إذا كانت النَّمْلة تقول هَكَذَا خوفًا منه وجنوده وتَعْتَذِر لهم وَيفْهَم كلامها، فهَذَا قد يؤدِّي بالْإِنْسَان إِلَى الغرور وأن هَذَا الشَّيْء لذاته أو من ذاته، مثلما قَالَ قارون:{قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي}[القصص: ٧٨]، فلهَذَا سأل اللهَ فِي هَذَا المقامِ الَّذِي ربما يَحْصُل به الغرور للمرءِ، والْإِنْسَان بشرٌ، فسألَ اللهَ أن يُلْهِمَه شُكْرَ نِعْمَتهِ الَّتِي أنعمَ عليه وَعَلَى والديْه وأن يعملَ صالحًا يرضاه.
وهَكَذَا ينبغي للإِنْسَان إذا حصلَ له نعمةٌ أن يسألَ الله تَعَالَى أنْ يُلْهِمَه شُكْرَها؛ حَتَّى لا يَلْحَقَه الغرورُ بهَذهِ النعمةِ الَّتِي أنعمَ اللهُ بها عليه، سواء كانت النعمةُ ماليَّةً أو جَسَدِيَّةً، مَعْنَوِيَّةً أمْ حِسِّيَّةً.