للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَلْهِمْنِي شُكْرَ نِعْمَتِك الَّتِي أنعمتَ عليَّ وَعَلَى والديَّ.

قوله: {أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ} النعمة: الإحسانُ الَّذِي يَنْعَمُ به المُحْسَنُ إليه، والنعمةُ كما هُوَ معروف تنقسمُ إِلَى قسمينِ: إمَّا حصول مَطْلُوب وَإمَّا نجاة من مَرْهُوب، والله تَبَارَكَ وَتَعَالَى دائما نِعَمه عَلَى عبدِه، والعبدُ دائرٌ بين هذينِ الصنفينِ منَ النعمةِ، فدائماً يحصل له مطلوبه وينجو من مرهوبِه.

وقول المفسر رَحِمَهُ اللهُ: [{أَنْعَمْتَ} بها {عَلَيَّ}]، قَدَّر (بها) لِأَنَّهُ من المعروفِ أن الجملة الَّتِي تكون صلةً للموصولِ لَا بُدَّ فيها من رابطٍ يعودُ عَلَى الموصولِ، أي: لَابُدَّ فيها من عائدٍ يعود عَلَى الموصولِ، هنا {الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} فتحتاج جملة {أَنْعَمْتَ} أن يَكُون فيها ضَميرٌ يعود عَلَى {الَّتِي} قدَّره المُفَسِّر بِقَوْلِهِ: [بها]، ولنا معه مناقشة فِي هَذَا التَّقْدير، فتقدير الضَّمير لأجلِ أنْ يَكُونَ عائدًا عَلَى الموصولِ هَذَا واضحٌ ومُسلَّم، فهَذهِ القاعدةُ النحْويَّة، قَالَ تَعَالَى: {مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ} [المؤمنون: ٣٣]، أي: (منه)، فهَذَا واضحٌ، وهَذَا كثير الكَلام فِي اللُّغة العربيَّة فِي الْقُرْآن والسنَّة وكلام النَّاس، أَنَّهُ لَابُدَّ من عائدٍ يعود عَلَى الموصولِ ليَرْبُط الجملة الصلة بموصولها. ولكِن لنا مناقشة مَعَ المُفَسِّر فِي تقدير العائدِ عَلَى هَذَا الوجهِ:

يَقُولُونَ: إن العائد ما يُحْذَف إذا كَانَ مجرورًا إِلَّا إذا جرّ الموصول بحرفٍ مشابهٍ للمحذوفِ لفظًا ومعنًى وتقديرًا، وهَذَا تَقَدَّمَ ونحن نقرأ فِي النحو فِي القَطْرِ (١)، وَأَنَّهُ إذا كَانَ مجرورًا يُشْتَرَط أن يَكُون مجرورًا بالحرفِ الَّذِي جَرَّ الموصول، وَأَنَّهُ يَكُون متعلّقه واحدًا موافقًا فِي اللفظِ والتَّقْدير والمَعْنى، فالمُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ قدر: [بها] مَعَ أَنَّهَا


(١) قطر الندى وبل الصدى لابن هشام.

<<  <   >  >>