للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ: أَنَّ الَأنْبِياء - عليهم الصَّلَاة والسلامُ - يَتَوَسَّلُونَ إِلَى اللهِ، يعني يَسألون اللهَ تَعَالَى بالوسيلةِ؛ لِقَوْلِهِ: {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} قَالَ الله تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ} يعني أولئك الَّذِينَ يدعوهم هَؤُلَاءِ المشركون {يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ} [الإسراء: ٥٧]، وكل الخلق يسألون الله تَعَالَى ويتوسلون إليه بما هُوَ جائزٌ.

الفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: جواز التوسُّل بصفات الله؛ لِقَوْلِهِ: {بِرَحْمَتِكَ}.

الفَائِدَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: قوله: {فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} فِيهِ إشكال.

إِذَا قَالَ قَائِلٌ: مَقامُ النبوَّة أعلى من مقامِ الصلاحِ، قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النِّسَاء: ٦٩]، فكيف سأل الله أنْ يُدْخِلَه فِي عبادِهِ الصالحينَ مَعَ أَنَّهُ نبيٌّ أعلى مرتبةً من مرتبةِ الصلاحِ؟

قُلْنَا: الأقربُ أَنَّ المُراد بالصلاحِ هنا الصلاحُ المطلَقُ، والصلاح المطلَق هَذَا أعلى مرتبةً، وقد قَالَ يوسف عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلامُ: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: ١٠١]، وقَالَ اللهُ تَعَالَى عن إبراهيمَ: {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [العنكبوت: ٢٧]، فالمُراد هنا الصلاحُ المطلَقُ، لا الصلاحُ الَّذِي يُذكَر مَعَ المراتبِ، فإن مقام الصلاحِ مَعَ المراتبِ دونَ مَقام النبوَّة.

الفَائِدَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: أن العِبادَة مَرْتبَةٌ شَريفة عظيمة يَسْأَلهُا حَتَّى الأَنْبِياء؛ لِقَوْلِهِ: {فِي عِبَادِكَ} ولهَذَا يذكر الله تَعَالَى نبيه مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - بوصف العُبُودِيَّة فِي أعلى مقاماته؛ عند إنزال الْقُرْآن، وعند الدفاع عنه .. ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

<<  <   >  >>