للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد قَالَ الشاعر يُخَاطِب (١):

لَا تَدْعُنِي إِلَّا بِيَا عَبْدَهَا ... فَإِنَّهُ أَشْرَفُ أَسْمَائي

هَذَا - أعوذ بالله - عاشِقٌ، لِنَفْرِض أنَّ اسمَه مثلًا بكرٌ يَقُول: لا تَقُلْ: يا بكرُ، قُلْ: يا عبدَ لَيلى فَإِنَّهُ أشرف أسمائي. فالعُبُودِيَّة للهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا شَكَّ أَنَّهَا أشرفُ أوصافِ الْإِنْسَانِ أن يَكُون عبدًا لله، والْإِنْسَان لَا بُدَّ أن يَكُونَ عبدًا، ولا بد أن يَتَّخِذَ إلهاً، حَتَّى الشيوعيون والملحدون لَا بُدَّ أن يَكُونوا عبيدًا ولهم آلهة، لو لم يكنْ لهم آلهةٌ إِلَّا أهواؤهم، قَالَ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ} [الجاثية: ٢٣]، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ" (٢)، وهَؤُلَاءِ بِلَا شَكّ يعبدون الدينارَ والدرهم، بل إنَ هَؤُلَاءِ الملحدين لا يسعون إِلَّا لذلك.

إِذَنْ: لَا بُدَّ لكلّ إِنْسَانٍ أن يَكُونَ عبدًا، فإن كَانَ عبدًا للهِ فقد تحرَّر من العُبُودِيَّة حقيقةً؛ لِأَنَّ عبدَ اللهِ حرٌّ، ما يَرَى أنه عبد لشيء فِي الدُّنْيا أو فِي المخلوقاتِ، لكِن يرى خالقه هُوَ سيِّده وإلهه وَأَنَّهُ عبد لهَذَا الخالق.

الفَائِدَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: أن شُكْرَ النعمِ مِنَ النعمِ، وهَذِهِ فائدةٌ، وقد قَالَ الشاعر (٣):

إذا كَانَ شُكْرِي نِعْمَةَ الله نعمةً ... عليَّ له فِي مِثْلِهَا يَجِبُ الشُّكْرُ

فَكَيْفَ بُلُوغُ الشُّكْرِ إِلَّا بِفَضْلِهِ ... وَإِنْ طَالَتِ الْأيَّامُ وَاتَّصَلَ الْعُمرُ


(١) انظر تفسير القرطبي (١/ ٢٣٢).
(٢) رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب ما يتقى من فتنة المال وقول الله تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}، حديث رقم (٦٠٧١).
(٣) الصناعتين (ص: ٢٣٢).

<<  <   >  >>