لأن حقيقة الأَمْر أن كلامَ الهدهدِ فِي مَقامِ الدفاعِ عن نفسِه؛ لِأَنَّهُ مُتَوَعَّدٌ بالعذابِ الشَّديدِ أو بالذبحِ أو بخبر، أي: بسلطانٍ مبينٍ، فَهُوَ لمَّا كَانَ فِي مقامِ الدفاعِ احتاجَ أنْ يَتَثَّبت هَذَا بِبَيِّنَةٍ، وقد وقعَ مثلُ ذلك لعمرَ بنِ الخطَّابِ - رضي الله عنه -، استأذنَ عليه أبو موسى ثلاثَ مرَّاتٍ ثُمَّ انصرفَ، فلما عاتَبَهُ فِي ذلك قَالَ:"هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -"(١)، قَالَ: لَتَأْتِيَنِّي بِبَيِّنَةٍ عَلَى ما تقولُ، مَعَ أنَّ أبا مُوسَى صَحَابِيٌّ ثِقَةٌ لا يمكن أن يَتَقَوَّلَ عَلَى الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لكِن المَقام يَقتضي زيادةَ التثَبُّتِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَان قد يَفْهَم منَ النصِّ ما لَيْسَ مرادًا، فلذلك طَلَبَ عمرُ من أبي موسى أنْ يأتيَ بشاهِدٍ.
هنا سُلَيْمَان عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَعَ أن هَذَا الهدهدَ قد يَقَّنَ له الخبرَ يقولُ:{سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} ثُمَّ أعطاهُ آيَةً وقَرينةً: {اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا
(١) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب الخروج في التجارة، حديث رقم (١٩٥٦)؛ ومسلم، كتاب الآداب، باب الاستئذان، حديث رقم (٢١٥٣).